بكى كل من في منزل الشهيد مصباح شبير، القائد الميداني في كتائب الشهيد عز الدين القسام، لحظة دخول جثمانه إليه، لإلقاء نظرة الوداع عليه، قبل مواراة جثمانه الثرى.
لكن والدته التي استقبلت خبر استشهاده بحمد الله وشكره، أيقنت أن مصير نجلها الذي راح إليه، مصير مُشرّف؛ لذلك قبلته بطمأنينة وودعته، وهي تعلم أن نظراتها لوجهه هي الأخيرة في الحياة الدنيا.
وأبدت الأم حالةً من الصبر والاطمئنان إزاء فقدان نجلها مصباح؛ فبعد أن كانت تستقبل التهاني والتبريكات بخطوبته، أصبحت الآن تستقبلها بمناسبة شهادته وزفافه إلى الحور العين في الجنة بإذن الله، وفق حديثها.
وقالت لصحيفة "فلسطين": "أهنئه بشهادته وهو الذي كان يطلبها ويتمناها دائماً في جميع أحاديثه الجدية والهزلية"، داعية له بالرحمة والمغفرة والقبول في سجل الشهداء مع الأنبياء والصديقين.
ومضت تقول، والجزع غائباً عن صوتها: "هؤلاء شهداء أبطال ماتوا في سبيل الله، ومأواهم الجنة بإذن الله"، مشيرةً إلى أن "اعتداءات الاحتلال ضد شعبنا وأبنائنا لن تثنينا عن مواصلة المقاومة وتقديم الغالي والنفيس في سبيل الله والوطن".
وشددت على أن نجلها كان شجاعاً بطلاً في حياته الدنيا وعند استشهاده، حيث سارع إلى إنقاذ إخوانه المجاهدين في سرايا القدس المحتجزين في نفق شرق بلدة القرارة.
وأشارت إلى أن مصباح وإخوانه عاشوا أيتام الأب، قائلة: "مصباح كان عمره عامين عندما استشهد والده، واليوم ها هو يلحق به على ذات الطريق".
وتابعت: "دائما كان يقول لي، لا تحزني علي ولا تبكي، لأنني سأكون بطلاً شجاعاً في سبيل الله"، مشيرةً إلى أن آخر اللحظات التي عاشتها معه، كانت عند تناول طعام العشاء قبل استشهاده بيومٍ واحد.
وأوضحت أن نجلها تقدم لخطبة الفتاة التي يريدها وتم موافقة أهلها، لكنه لم يعقد قرانه، لحين انهائها امتحان الثانوية العامة، قائلة: "رحمه الله، كان حنوناً في التعامل معي ومع أخواته وإخوانه".
له ستة إخوة وأختين؛ هو أصغرهم -آخر العنقود-، جميعهم تزوجوا ولما حان دوره، قدر الله اصطفائه ليلحق بركب الشهداء الذين سبقوه على ذات الطريق، طريق المقاومة والجهاد، وفق شقيقه ناصر.
وقال في حديثه لصحيفة "فلسطين": "أخي كان يتحدى الصعاب ويثابر ليحصل على ما يتمناه، كما أنه كان دائم البحث عن الشهادة"، مشيراً إلى أنه كان من السباقين إلى الخير والمحافظين على الصلوات الخمس في المسجد خاصة صلاة الفجر.
ولفت شبير إلى أن شقيقه اعتكف في الأيام العشرة الأخيرة في شهر رمضان الماضي، في أحد مساجد خان يونس، وقضى تلك الأيام في قراءة القرآن وقيام الليل والتقرب إلى الله، مشدداً على أنه لا تراجع عن طريق المقاومة الذي سلكه مصباح، رغم فقده وقصف المنزل في الحرب الأخيرة.
وذكر آخر المواقف التي عايشها مع شقيقه، عندما عاد إلى البيت ووجده يجلس مع والدته على طعام العشاء، فامتدت يده إلى لفة الـ"شيش طاووق" الخاصة بوالدته، فقال له مصباح اتركها لوالدتي، وتقاسم معي نصيبي".
وأشار شبير إلى أن أخيه شارك في انتشال شباب النخبة في كتائب القسام الـ23، الذين احتجزوا في أحد الأنفاق لمدة 20 يوما خلال العدوان الأخير على قطاع غزة عام 2014، قائلاً: " لم نعلم بذلك إلا بعد فترة طويلة، خاصة أنه كان كتوماً ولا يفشي سره لأحد".