أجواء مُلبدة بالغيوم غابت فيها الشمس عن سماء قطاع غزة، حزنًا على وداع خمسة كواكب من مجاهدي المحافظة الوسطى، ارتقوا في قصفٍ غادر من الطائرات الحربية الإسرائيلية لنفقٍ يقع شرق محافظة خان يونس، جنوب القطاع.
اعتصر الألم وجوه أبناء قطاع غزة كافة، ومواطني المحافظة الوسطى على وجه الخصوص، فقد استعد آلاف المواطنين من مختلف محافظات القطاع إلى المشاركة في تشييع جثامين الشهداء الخمسة، وهم: (عرفات أبو مرشد، وحسن أبو حسنين، وأحمد أبو عرمانة، وعمر الفليت، وحسام السميري).
لما انتهت الجماهير الغفيرة من أداء صلاة الظهر في المسجد الكبير بمخيم البريج أمس؛ بدأت قاطرة الشهداء الخمسة بالخروج من بوابة المسجد، حيث خيم الحزن أكثر فأكثر على وجوه المشاركين الذين تجمهروا منذ الصباح للمشاركة في الجنازة.
وانطلقت المسيرة وحمل المُشيّعون الشهداء على أكتافهم، وسط هتافاتٍ منهم تؤكد المضي في طريق المقاومة، والسير على طريق هؤلاء المجاهدين، وهنا بزغَ نور الشمس من بين تلك الغيوم، وكأنها تتبسم لرؤيتهم.
سارت المسيرة، وتبدو للوهلة الأولى بضع لحظات، من شدة سرعتها كأن الشهداء يسابقون الزمن للقاء ربهم، بعد أن رزقهم الشهادة التي طالما تمنوها منذ التحاقهم بصفوف العمل العسكري والمقاومة الفلسطينية.
"كالبدر المُنير" هي كلماتٌ بسيطة تحمل في طياتها الكثير من المعاني، وأقل ما يُمكن أن يقال في هذه الكوكبة من الشهداء، التي سهرت الليالي وقدمت أرواحها رخيصة فداء لفلسطين، ولأجل أن ينعم أبناؤها بالأمن والسلام.
جابَت المسيرة شوارع مخيم البريج، في مشهدٍ يلفت الأنظار يتمثل في اقتراب بعض الشهداء من بعضهم وهم على أكتاف المشيعين، في إشارةٍ إلى أنهم عاشوا رفقاء في الدنيا، ويريدون البقاء جنبًا إلى جنب في الآخرة.
تلك اللحظات السريعة اختلطت فيها المشاعر بين الحزن والألم على الفراق، والقوة والصمود وتأكيد الاستمرار على نهج المقاومة حتى تحرير أرض فلسطين كاملة من دنس الاحتلال، فسرعان ما تحوّل هذا الحزن الشديد على فراق "طيور" كانت تحفر بجناحيها طريق النصر إلى غضبٍ في صدور المُشيعين خلال سير الجنازة.
كثيرةٌ هي المشاهد التي تجسّدت خلال اللحظات القصيرة في جنازة الشهداء الخمسة، إذ يشد الانتباه مشهد التقاء رايات فصائل المقاومة الفلسطينية بكل ألوانها وأطيافها.
الزاوية الأخرى اللافتة خلال الجنازة، التي ترسم خريطة تحمل عنوان: "الأخوة والوحدة"، حينما اتحدت كل الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة، وهم رفقاء الدرب والجهاد، في مشهد يؤكد وحدة الروح والدم الفلسطينيين، وأن سلاحها موجه نحو الاحتلال الإسرائيلي فقط، وهو العدو الأوحد لها.
ما أسرع لحظات فراق الأحبة!، حينما وجدنا أننا قد اقتربنا من مقبرة البريج، وهي النقطة الأخيرة التي تفصل بين الأحياء والأموات، وهناك اشتدت هتافات المشيّعين، وكأنهم يريدون البقاء مع أحبابهم الشهداء.
لكن أمر الله غالب، وهذه هي الدنيا تأخذ منا من نُحب، وهنا اختتم المشيعون مسيرتهم، حينما وارى الشهداء الخمسة الثرى، وعادوا إلى بيوتهم، وبقي الحزن والألم في قلوب عائلاتهم المكلومة.