هذه المقالة هي إجابة لسؤال أحد أعضاء الصفحة عن الاعتداء في الدعاء، وهي علامة من علامات الساعة، والدعاء هو حالة تواصل بين العبد المخلوق والرب الخالق، فأي صورة من صور الطلب والتواصل فيه سوء أدب وتجاوز في الطلب، وإغراق في تفاصيل تنبئ عن جهل الإنسان بنفسه أو بربه، فهذا كله من أشكال الاعتداء في الدعاء.
من أشكال الاعتداء في الدعاء التكلف فيه بسجع ونحوه، أو تحويله إلى ترنيمة أقرب للغناء منها للطلب والتضرع لله، ومنها أيضا الدعاء الآثم المتضمن طلب فيه ظلم للعباد، أو قطيعة رحم.. إلخ.
وهذه الأشكال من الاعتداء في الدعاء أصبحت سمة عصرنا، وكأننا من أهل هذا الحديث، فكلمات: الله يغضب عليك – الله يقصف عمرك – الله يفضحك – الله يأخذك. وغيرها من الأشكال أصبحت كلمات يتفكه بها الكثيرون، بل هناك من الأدعية التي يتلفظها البعض من باب المزاح، أو التفكه والتسلية مع الغير، وهناك من الأدعية التي تدخل عند البعض في باب النكات والتسالي، ولا يعلم هؤلاء أنهم بكلماتهم يخاطبون عظيم السماوات والأرض، والأصل أن يحسنوا الأدب بين يديه.
وقد ورد في سياق الحديث ما يشير إلى التجاوز في الدعاء عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ أنه سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلْتُهَا فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ سَلِ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَتَعَوَّذْ بِهِ مِنَ النَّارِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: "إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ".
يلحظ من مناسبة ورود الحديث من الصحابي أنه رأى ابنه يطلب القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلها، فقال محذرًا لابنه بأن هذا تجاوز للحد في الدعاء، وسوء أدب مع الله ، وهذه صفة لا تليق بمسلم، وإنه سيأتي أقوام أخبر عنهم النبي بأنهم يتجاوزون في دعائهم، فيسيئون الأدب مع الله إما في طبيعة طلبهم، أو في طريقة الطلب.
ووجه إنكار الصحابي على ابنه قد يكون لأنه طلب منازل الأنبياء، أو طمع بما لا يبلغه عمله، أو لأنه سأل شيئًا معينًا في الجنة بطريقة موحية أنه تجاوز فيها حد الأدب مع الله .