فلسطين أون لاين

صفقات بيع "الوقف الأرثوذكسي" تكشف مخططًا إسرائيليًا للاستيلاء على الأرض

...
القدس المحتلة / غزة - يحيى اليعقوبي


كنائس، وعقارات تجارية واقتصادية، وأراض، وأماكن تاريخية أثرية استراتيجية معظمها مسيحية، وبعضها إسلامية كانت تشكل حسب تقديرات فلسطينية مسيحية 4% من مساحة فلسطين التاريخية، و33% من مساحة البلدة القديمة في القدس، هي أملاك الكنيسة الأرثوذكسية في فلسطين التي ما زالت صفقات بيعها للاحتلال تتكشف يوما بعد آخر، والتهم موجهة إلى بطريرك الكنيسة "ثيوفيلوس الثالث".

وتعتبر البطريركية اليونانية الأرثوذكسية ثاني أكبر مالك عقارات في البلاد، لكن حجم العقارات التابعة لهذه البطريركية تضاءل بشكل كبير بسبب صفقات بيعها لجهات إسرائيلية منذ سنوات، وتقضي هذه الصفقات بتأجير البطريركية العقارات لفترة طويلة، 99 عاما، وبعد انتهاء المدة "المؤجرة" تصبح ملكا للجهات التي دفعت ثمنها.

صفقات بيع عقارات يتم الكشف عنها بيعت بثمن زهيد مع أنها لا تقدر بثمن نظرا لأهميتها التاريخية، كبيع ساحة عمر بن الخطاب بباب الخليل بالبلدة القديمة بالقدس، وفندقين، و22 محلا تجاريا للاحتلال، وفي مطلع أغسطس/آب الماضي، أقرت محكمة الاحتلال المركزية قبول دعوى جمعية "عطيرت كوهنيم" الاستيطانية وإقرار صفقة البيع، ورفض ادعاءات بطريركية الروم الأرثوذكس بأحقيتها بالعقارات.

وباعت الكنيسة، بحسب ما نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية مؤخرا ستة دونمات في منطقة دوار الساعة في يافا ، و430 دونما في منتجع قيسارية التاريخية على البحر المتوسط، تشمل أجزاء كبيرة من الحديقة الأثرية والمدرج الروماني، مقابل مليون دولار فقط.

وأبرمت صفقات بيع أراضي البطريركية اليونانية الأرثوذكسية في العقود الماضية مع جهات إسرائيلية رسمية والصفقات المعروفة حتى الآن، تتعلق ببيع معظم أراضي البطريركية في القدس المحتلة وقسم من الأراضي في يافا وقيسارية والرملة والناصرة وطبرية داخل الأراضي المحتلة سنة 1948 إضافة إلى عقارات مثل مبان وشقق وبيوت في القدس ويافا.

كما تظهر وثائق نشرتها الصحيفة الإسرائيلية أن البطريركية باعت 27 دونما مبني عليها حوالي 240 شقة ومركزا تجاريا كبيرا في حي "غفعات أورانيم" في القدس المحتلة وذلك مقابل 3.3 ملايين دولار، مع أن ثمن شقة صغيرة في هذا الحي يفوق الـ 400 ألف دولار وستنتهي مدة هذه الصفقة بعد 52 عاما.

المسؤول المباشر

ويتهم عضو المجلس المركزي الأرثوذكسي في فلسطين والأردن جلال برهم بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية ثيوفيلوس الثالث هو ومستشاروه، بالمسؤولية المباشرة عن بيع أملاك الكنيسة للاحتلال، مؤكدًا في الوقت ذاته، أنهم غير مخولين بالتصرف بالوقف العربي المسيحي.

وقال برهم لصحيفة "فلسطين": "ننظر بخطورة بالغة تجاه تسريب الأملاك، التي نكتشف كل يوم صفقات جديدة تهدد مستقبل الكنيسة الأرثوذكسية وكل الوقف العربي التابع لها، كونه جزءا من التراث العربي الفلسطيني".

وبين أن طريقة بيع الأملاك للاحتلال تبدأ بالتأجير ثم البيع المطلق مع تسجيله بالطابو ونقل الملكية لصالح الاحتلال، سواء للصندوق القومي الإسرائيلي، أو لشركات إسرائيلية، أو حتى شركات غير معروفة ببريطانيا وجزر المالديف، محذرًا من أن "حجم الصفقات الأخيرة التي اكتشفت بعد 30 حزيران/ يونيو الماضي ينذر بالخطر الكبير".

وأضاف: "نتحدث عن بيع بيت بمساحة 540 دونما غرب القدس، فضلا عن أملاك في منطقة اللد، ودوار الساعة بيافا، كما باعت البطريركية الأرثوذكسية أرضاً تصل مساحتها إلى 430 دونماً، تشمل أيضاً المدرج الروماني الأثري بقيسارية، مقابل مليون دولار، علماً أن الأرض تقوم في أحد أغلى المواقع في فلسطين التاريخية، وبمنطقة طبرية.

وشدد برهم على ضرورة أن تتحول القضية إلى قضية وطنية توضع على جدول أعمال فصائل العمل الوطني، باعتبارها ليست شأنا خاصة بالأرثوذكس بل شأنا وطنيا عاما يهم كافة الفلسطينيين، داعيا السلطة الفلسطينية والحكومة الأردنية للوقوف أمام مسؤولياتهم فيما يتعلق بسلوك البطريرك وتسريب الأوقاف.

وحول تقديرات بيع الأملاك للاحتلال، قال: "تقديراتنا تشير إلى أن كل ما تملكه الكنيسة من أملاك مسجلة باسمها خارج أسوار القدس بيعت لصالح شركات وجهات استيطانية، مشيرًا إلى عدم وجود تقديرات مالية لمساحة ونوعية هذه الأراضي.

ولفت إلى أن شركات إسرائيلية تقدر أثمان هذه الأراضي والعقارات أضعاف ما تم بيعه، منوهًا إلى صفقة بيع باب الخليل التي حكمت المحكمة العليا الإسرائيلية قبل شهرين في القضية لصالح شركة إسرائيلية باعتبارها منطقة استراتيجية مهمة.

وينص القرار المذكور بالمحكمة العليا على تأجير فندقي "إمبريال"، و"البتراء" والمبنى المسمى "بيت المعظمية"، لمدة 99 سنة، لثلاث شركات تابعة للمستوطنين، وبالتحديد لجمعية "عطيرت كوهانيم" الاستيطانية.

وباب الخليل، هو الأقرب إلى حارة النصارى في البلدة القديمة في مدينة القدس حيث يوجد الكثير من الملكيات العقارية العائدة للكنسية.

ولفت برهم إلى أنه قبل نحو أسبوعين اكتشفت صفقة بيع جديدة على مساحة أرض تبلغ 400 متر مربع، بها مبان قريبة من باب الخليل وسور القدس، ومحاذية لمقبرة "مأن الله الإسلامية" التاريخية في القدس.

وإذا ما كان البيع طال كل الأملاك الوقفية الأرثوذكسية داخل القدس، أكد أن كل الأرض التي كانت تابعة للكنيسة غرب سور القدس بيعت بشكل كامل لصالح الاحتلال.

تزوير وثائق

من جانبه، قال مدير متابعة شؤون القدس والأقصى بوزارة الأوقاف الأردنية عبد الله العبادي: "إن موضوع الكنيسة الأرثوذكسية متابع من قبل الحكومة الأردنية، ولا يوجد معلومات كبيرة عن موضوع بيع أملاك الكنيسة للاحتلال".

وأضاف العبادي لصحيفة "فلسطين": "أنه لا يوجد حتى اللحظة إثبات على تورط البطريرك الحالي بعملية البيع"، مشيرًا إلى أن المعلومات لدى الأوقاف تظهر تزوير الاحتلال وثائق سابقة في عهد البطريرك القديم.

وأكد أنه لا يوجد دليل على وجود يد للبطريرك الحالي ببيع أملاك الكنيسة، مضيفا: "يجب التروي قبل اتخاذ أي قرار، وعدم الاستعجال في توجيه الاتهام للبطريرك الحالي".

مطالبة بالعزل

من ناحيته، شدد عضو لجنة المتابعة بالمؤتمر الأرثوذكسي الوطني المنعقد ببيت لحم ماهر ساحلية على ضرورة الأخذ بمقررات المؤتمر الوطني، الذي دعا إلى التحقيق والتحقق بالصفقات المشبوهة التي جرى كشفها في الآونة الأخيرة، مطالباً بعزل البطريرك الحالي تمهيدا لمحاسبته ومحاكمته.

وقال ساحلية في حديث لـ "فلسطين": "قمنا بواجبنا برفع شكوى للنائب العام الفلسطيني"، معتبرا ذرائع الكنيسة ببيع أملاكها نظرا لعدم وجود إيرادات مالية، أو أن هذه الأراضي لا يوجد لها أي بعد ديني أو سياسي، "تبريرات واهية وليست مقبولة".

وتساءل ساحلية "أين ذهبت الأملاك الأرثوذكسية، ولماذا لم تخصص لخدمة الطائفة المسيحية"، مؤكدًا على ضرورة محاسبة كل من يبيع أو يفرط بهذه الأملاك.

أبعاد سياسية

الباحث والمختص بشؤون القدس جمال عمرو قال: "إن قضية بيع أملاك الكنيسة الأرثوذكسية مقلقة خاصة أن بعض أملاكها إسلامية ومعظمها مسيحية، وأن هذه الكنيسة تعمل ضد المسلمين والمسحيين الفلسطينيين على حد سواء وأنها موالية للاحتلال الإسرائيلي".

وأضاف عمرو لصحيفة "فلسطين": "أن الكنيسة سربت أراضي ميناء يافا وأراضي واسعة بمدينة الرملة ومناطق بالقدس أهمهما ساحة عمر بن الخطاب بالبلدة القديمة التي لا تقدر بثمن للاحتلال".

وتابع: "نحن أمام كارثة فالكنيسة الآن تقوم بتسريب مبان تجارية واقتصادية للاحتلال، وكذلك تسريب أراضي المنطقة التي يريد الاحتلال بناء 6 آلاف وحدة استيطانية عليها بمستوطنة "جفعات هامتوس" شرقي القدس وهي آخر منطقة تربط المدينة المقدسة ببيت لحم".

وما يتم من بيع أملاك الكنيسة الأرثوذكسية، كما اعتبر عمرو، ليس مجرد تسريب أراض هنا أو هناك، بل عملية لها عواقب سياسية وخيمة وخطيرة على حسم أمر القدس برمتها، باعتبار أن هذه الكنيسة لها تاريخ منذ عهد الدولة العثمانية، وكانت أول كنيسة لها الحق بإدارة شؤون المسيحيين بفلسطين، حازت على معظم الأوقاف المسيحية، وسيطرت على مناطق استراتيجية وأوقاف إسلامية، لكنها اليوم تخون العهدة العمرية وتعمل لصالح "الصهيونية" بامتياز.