من الأروقة المغلقة إلى العلن ينتقل التطبيع مع الكيان العبري ليطال شرائح مجتمعية كالنساء والأطفال، تحت ستار ما يوصف بـ"السلام" المزعوم.
لم تكن المسيرة النسوية التطبيعية في أريحا، التي دعت إليها ما تسمى "لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي" في منظمة التحرير الفلسطينية؛ الأولى، كما أن سياسات هذه اللجنة لا تشي بأنها ستكون الأخيرة.
وعلى وفق التعريف الذي أقرته الغالبية الساحقة في المجتمع الفلسطيني، في المؤتمر الوطني الأول لمقاطعة الكيان العبري عام 2007م؛ إن المشاركة الفلسطينية في هذه الفعاليات تعد تطبيعًا.
ويرأس "لجنة التواصل" عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد المدني، وكانت قيادة منظمة التحرير شكلت هذه اللجنة في الرابع من كانون الأول (ديسمبر) 2012م، بزعم "تعزيز الثقة" داخل المجتمع الإسرائيلي، لتؤثر عليه، ليكون له الدور الأكبر في "إنجاح" ما يسمى عملية التسوية.
وتدين عضو سكرتاريا في اللجنة الوطنية للمقاطعة والحملة النسوية الفلسطينية لمقاطعة البضائع الإسرائيلية ماجدة المصري "الالتفاف على الحركة النسائية، ومؤسساتها التمثيلية، بالدعوة إلى هذه المسيرة التطبيعية المرفوضة".
وتبين المصري لصحيفة "فلسطين" أن هذه الفعاليات "تسيء إلى الحراك الفلسطيني والعربي والدولي، الداعي لمقاطعة كيان الاحتلال وعزله، بسبب تنكره للقانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني".
وتتناقض هذه الفعاليات والنشاطات _بحسب ما تؤكد المصري_ وقرارات المجلس المركزي الفلسطيني في اجتماعه الأخير في آذار (مارس) 2015م، التي دعت إلى دعم حركة المقاطعة.
وتقول: "مظاهر التطبيع الخطيرة آخذة بالاتساع محليًّا وإقليميًّا، في الوقت الذي تتصاعد فيه الهجمة الصهيونية والإمبريالية الرامية إلى تقويض المشروع الوطني الفلسطيني، وآخرها المسيرة النسوية التطبيعية في أريحا".
لكنها تشير إلى دور حركة المقاطعة في التصدي لهذه النشاطات، قائلة: "حركة المقاطعة والأطر والائتلافات النسوية عملت حثيثًا في دعوة النساء الفلسطينيات إلى مقاطعتها".
وتضيف المصري: "توجهنا بالنداء إلى نساء فلسطين وإلى الأطر والمؤسسات النسائية الفلسطينية جميعًا، بمقاطعة هذه الدعوة وعدم المشاركة في المسيرة، والتصدي لها بالمزيد من تفعيل دورها في مقاطعة الكيان والبضائع الإسرائيلية".
وتلفت إلى أن لجنتها تصدت للمسيرة الأولى التي نظمتها العام الماضي في مدينة أريحا "المجموعة التطبيعية" نفسها، متعهدة بالتصدي لأي نشاط تطبيعي آخر.
ولطالما دعت لجان وهيئات داعمة لمقاطعة الاحتلال قيادة منظمة التحرير إلى التوقف عن تشجيع التطبيع بكل أشكاله، ومن ذلك "التطبيع الرسمي العربي الخطير".
"خطر على المجتمع الفلسطيني"
ويحذر منسق اللجنة الوطنية للمقاطعة في قطاع غزة عبد الرحمن أبو نحل من أن "برامج التطبيع التي تستهدف النساء والأطفال والشباب تشكل خطرًا على المجتمع الفلسطيني والوعي الوطني، خاصة في بدايات تشكل المعرفة لدى الأطفال".
وتأتي هذه البرامج "إمعانًا فجًّا في نهج التطبيع مع الاحتلال، مع الإجماع الوطني الرافض للتطبيع"، حسبما يصفها أبو نحل في حديثه إلى صحيفة "فلسطين".
وعن تأثير التطبيع على القضية الفلسطينية يقول: "التطبيع الفلسطيني خاصة والعربي عمومًا مع كيان الاحتلال ومؤسساته خطر يهدد النضال الوطني الفلسطيني نحو العودة والحرية، ويسهم _أيًّا كانت النوايا_ في تقويض منجزاتنا، خاصة منجزات حركة مقاطعة الكيان (BDS) العالمية بقيادة فلسطينية، المتنامية محليًّا وفي أنحاء العالم".
وينبه إلى أن التطبيع أيضًا "يمنح كيان الاحتلال ورقة توت لتلميع صورته، وتوسيع مشروعه الاستعماري في فلسطين".
ويطالب المسؤول في اللجنة الوطنية للمقاطعة المستوى الرسمي الفلسطيني بوقف "كل أشكال التطبيع، تنفيذًا لقرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية".
ويدعو إلى حل ما يصفها بـ"لجنة العار"، في إشارةٍ إلى "لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي"، استجابة لنداءات اللجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة.
لكنه يتمم: "في ظل عدم استجابة المستوى الرسمي لكل ذلك، علينا نحن الشعب الفلسطيني واجب مواصلة الضغط عليهم لوقف التطبيع والتنسيق الأمني".
والمسيرة النسوية التطبيعية كانت ضمن سلسلة أنشطة نظمتها ما تسمى "حركة نساء يصنعن السلام" الإسرائيلية، ومنها نشاط في مستوطنة (غوش عتصيون) المقامة على الأرض الفلسطينية المحتلة.
ويُجنِّد هؤلاء "الإسرائيليون" جهودهم مستغلين تلبية دعواتهم من قبل أصوات عربية وفلسطينية لخدمة التطبيع، مع تعنت الاحتلال تجاه كل حقوق الشعب الفلسطيني.
ويعد وقف التنسيق الأمني بين السلطة في الضفة الغربية والاحتلال الإسرائيلي مطلبًا وطنيًّا، طالما نادت به معظم الفصائل.
ويؤكد القائمون على حملات مقاطعة كيان الاحتلال الإسرائيلي أن سياسة التنسيق الأمني والتطبيع يضران بجهودهم الإقليمية والعالمية، لكن حتى الآن قيادة منظمة التحرير لم تجب عن تساؤلاتهم: هل ستوقف النشاطات والفعاليات والسياسات التي تُصنَّف دون لبس على أنها تطبيع؟

