فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

الأولويات الفلسطينية بعد وقف إطلاق النار: فرصة لتعزيز المكتسبات وترتيب الأوراق

...
الأولويات الفلسطينية بعد وقف إطلاق النار: فرصة لتعزيز المكتسبات وترتيب الأوراق
إبراهيم المدهون 

جاءت عملية "طوفان الأقصى" كحدث استراتيجي هزَّ أركان المنطقة وأحدث زلزالاً في المشهد الإقليمي والدولي، وألقى بقنبلة في المياه الراكدة التي كانت تعمل على طمس الحقوق الفلسطينية. كانت هذه العملية بمثابة صفعة على وجه الاحتلال الإسرائيلي، الذي ردَّ بعملية عدوانية همجية على قطاع غزة، مستهدفاً المدنيين والبنية التحتية بشكل واسع. هذا العدوان خلف أكثر من 60,000 شهيد، مئات الآلاف من الجرحى، وأكثر من مليون نازح، ولكنه فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق أهدافه السياسية والعسكرية.

رغم استخدام الاحتلال كامل قوته العسكرية، لم يتمكن من القضاء على حماس، أو فرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني، أو استعادة أسراه. هذه الهزيمة الإسرائيلية الواضحة أظهرت حماس وأخواتها كقوة فاعلة لا يمكن تجاهلها، ولكنها أيضاً أثقلت كاهل الشعب الفلسطيني بكارثة إنسانية ضخمة. في هذا السياق، يُصبح من الضروري رسم الأولويات الوطنية بواقعية ووضوح لضمان استثمار المكتسبات وإدارة التحديات.

1. وقف الحرب ومنع تجدد العدوان

إن وقف إطلاق النار يشكل أولوية قصوى في المرحلة الحالية. الحرب الأخيرة كانت مكلفة جداً بشرياً ومادياً، ولم تُفلح القوى الإقليمية والدولية في منع الجرائم الإسرائيلية، ما يُحتم على الفلسطينيين السعي لمنع تكرار هذا العدوان عبر تثبيت وقف إطلاق النار وضمان الالتزام به.

2. عودة النازحين وضمان حرية الحركة

نزح أكثر من مليون فلسطيني من شمال قطاع غزة إلى جنوبه بفعل العدوان. الأولوية الآن تتمثل في عودة النازحين إلى مناطقهم بأمان، والعمل على استعادة حرية الحركة داخل القطاع ومنه إلى العالم الخارجي.

3. دعم الشعب الفلسطيني وتقديم الإغاثة

الحرب دمرت معظم مقومات الحياة الأساسية في قطاع غزة، ما يتطلب تدفق المساعدات الإنسانية بشكل سريع وشامل. يجب أن تكون الأولوية لإغاثة الشعب الفلسطيني، عبر إدخال المواد الغذائية والطبية، وتوفير الاحتياجات الأساسية لضمان الحد الأدنى من الحياة الكريمة.

4. إعادة الإعمار وإيواء النازحين

دمّر الاحتلال أكثر من ثلث مدينة غزة، إضافة إلى مئات المباني والبنى التحتية. إعادة إعمار القطاع تُعد أولوية ملحة، بدءاً بإدخال الكرفانات لإيواء النازحين بشكل سريع، ثم الانتقال إلى إعادة بناء المنازل والمؤسسات والمرافق العامة، بما يضمن عودة الحياة إلى طبيعتها تدريجياً.

5. رفع الحصار عن قطاع غزة

الحصار المشدد على غزة كان أحد أبرز الأسباب الرئيسة لعملية طوفان الأقصى. بعد صمود الشعب الفلسطيني وانتصاره، لا يمكن القبول باستمرار هذا الحصار. ينبغي العمل دولياً وإقليمياً على رفع الحصار بشكل كامل، وفتح أبواب القطاع أمام العالم للاستثمار والتبادل التجاري، بما يعزز قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود والتنمية.

6. ترتيب البيت الفلسطيني

الانقسام الفلسطيني الداخلي يشكل عقبة كبرى أمام مواجهة الاحتلال وإدارة المكتسبات. إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية لتكون عنواناً جامعاً وشاملاً لكل القوى الوطنية، بما في ذلك حركتي حماس والجهاد الإسلامي، يُعد أولوية استراتيجية. تعزيز الوحدة الوطنية وترتيب الصفوف الداخلية هو السبيل الوحيد لضمان تمثيل حقيقي للشعب الفلسطيني في المحافل الدولية.

استثمار الفرصة التاريخية

دفعت غزة ثمناً باهظاً في هذه الحرب، ولكنها بالمقابل صنعت فرصة تاريخية لتحقيق مكاسب استراتيجية. هزيمة الاحتلال في فرض إرادته على غزة والانتصار الذي حققه الشعب الفلسطيني يجب أن يكونا حافزاً للعمل بجدية لترتيب الأوراق الفلسطينية، وإنقاذ القضية الوطنية قبل فوات الأوان.

نحن أمام لحظة فارقة في تاريخ القضية الفلسطينية، تتطلب قرارات جريئة ورؤية استراتيجية. الانتصار الذي تحقق يجب أن يُترجم إلى خطوات عملية لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني، وضمان حقوقه الوطنية، وإعادة بناء قطاع غزة ليكون نموذجاً للمقاومة والكرامة.