فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

"وحدة الظِّلِّ" القوَّة السِّرِّيَّة وراء إدارة ملفِّ الأسرى لدى المقاومة في غزَّة

...
"وحدة الظل" القوة السرية وراء إدارة ملف الأسرى لدى المقاومة في غزة
أميرة فؤاد النحال

في عالم تتشابك فيه الخيوط الأمنية والعسكرية، تبرز "وحدة الظل" كحارس خفي يقف بثبات في وجه أعتى أجهزة الاستخبارات العالمية، وفي قلب المقاومة الفلسطينية، تعمل هذه الوحدة كالعين التي لا تنام، تحيط بالأسرى الإسرائيليين في قبضة المقاومة بهالة من السرية المطلقة، لتجعل من كل محاولة اختراق حلماً بعيد المنال.

"وحدة الظل" ليست مجرد قوة عسكرية، بل هي درع استراتيجي يكشف قدرة المقاومة على إدارة معادلة الصراع بحنكة وحسم، محافظاً على ورقة تفاوضية تعد من أثمن ما في جعبة المقاومة الفلسطينية.

"وحدة الظل" هي إحدى الوحدات السرية التابعة لكتائب القسام، وقد أُنشئت بهدف أساسي لتأمين وحماية الأسرى الإسرائيليين لديها، وتلعب هذه الوحدة دوراً مركزياً في إدارة ملف الأسرى، الذي يُعد أحد أهم الملفات الاستراتيجية للمقاومة في صراعها مع الاحتلال الإسرائيلي، وتعتمد هذه الوحدة على أقصى درجات السرية والاحترافية في تنفيذ مهامها، نظراً لحساسية دورها وأهمية الأسرى كورقة تفاوضية قوية في يد المقاومة.

وتكمن أهمية "وحدة الظل" في داخل بنية المقاومة أنها تُحافظ على سرية الأسرى وأماكن احتجازهم، فهي تُعد خط الدفاع الأول عن الأسرى المحتجزين لدى المقاومة، وتتحمل مسؤولية حمايتهم من محاولات الكشف عن أماكنهم من خلال عمليات استخباراتية إسرائيلية متقدمة، كما أنّها تُمثل إدارة ورقة تفاوض قوية، لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية، كمان أنّ قدرة المقاومة على الاحتفاظ بالأسرى الإسرائيليين لفترات طويلة دون الكشف عن مواقعهم أو تعريضهم للخطر يعزز ثقة الشعب الفلسطيني ويُعزز مكانة المقاومة ويعكس تفوقها في الحرب الأمنية والاستخباراتية، بالإضافة إلى أنّها تعمل على مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة من قبل الاحتلال، مثل استخدام التكنولوجيا المتقدمة والطائرات بدون طيار ومحاولات زرع العملاء، لذلك، تعتمد الوحدة على خطط مدروسة وتدابير أمنية صارمة، نجحت من خلالها بالاحتفاظ بالأسرى لديها لقرابة 16 شهراً.

ورغم الجهود الهائلة التي يبذلها الاحتلال الإسرائيلي لاختراق "وحدة الظل"، إلا أنّ المقاومة أثبتت قدرتها على إحباط هذه المحاولات من خلال الاحترافية واليقظة الأمنية، وهناك قصص من هذه المحاولات الفاشلة التي تعزز أسطورة "وحدة الظل" كقوة منيعة تُحبط مخططات الاحتلال وتحمي ورقة التفاوض الأهم في معادلة الصراع، أهمها قصة الجندي "جلعاد شاليط" الذي تم أسره بين عامي 2006 و2011، حاولت "إسرائيل" عدة مرات الوصول إليه من خلال عمليات استخباراتية وميدانية، ورغم الضغوط الأمنية والميدانية، تمكنت "وحدة الظل" من الحفاظ على سرية مكان أسره طوال تلك الفترة، مما جعل صفقة تبادل الأسرى في عام 2011 "صفقة وفاء الأحرار" انتصاراً كبيراً للمقاومة، وأيضاً عملية "حد السيف" في عام 2018، حيث نفذت وحدة خاصة تابعة للاحتلال الإسرائيلي "وحدة سيرت متكال" عملية تسلل داخل قطاع غزة بهدف جمع معلومات حساسة عن المقاومة، ورغم أن العملية لم تستهدف مباشرة "وحدة الظل"، إلا أن التحليلات تشير إلى أن أحد أهدافها كان محاولة معرفة مواقع أسر وحماية الأسرى الإسرائيليين، في النهاية العملية فشلت بعد أن اكتشفت المقاومة المجموعة الإسرائيلية، واندلعت اشتباكات أوقعت قتلى في صفوف الاحتلال.

وتلتزم المقاومة الفلسطينية، بما في ذلك وحدة الظل، بمبادئ إنسانية وأخلاقية في تعاملها مع الأسرى الإسرائيليين، على الرغم من طبيعة الصراع المحتدم مع الاحتلال، يظهر هذا في الحفاظ على حياة الأسرى وحمايتهم، ولا يتم استهدافهم أو إيذاؤهم، إلا في حال تهديد مباشر من الاحتلال، هذا الالتزام يعكس احترام المقاومة لحقوق الإنسان حتى في ظل الحرب، ووفقاً لشهادات سابقة، يتم توفير الطعام والرعاية الصحية للأسرى الإسرائيليين، مما يعكس الالتزام الأخلاقي للمقاومة في هذا الملف، وفي أواخر نوفمبر 2023، خلال فترة الهدنة الإنسانية بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، أظهرت مشاهد تسليم الأسرى الإسرائيليين من قبل المقاومة المعاني الإنسانية والتعقيد الأمني، حيث أظهرت المقاومة التزامها بالمعايير الإنسانية في التعامل مع الأسرى رغم الاختلافات الكبيرة بين نهجها ونظام الاحتلال، هذه اللحظات كانت بمثابة شهادة على قدرة المقاومة على التصرف بإنسانية وأخلاقية حتى في ظل الحروب.

من ناحية أخرى فإنّ وجود "وحدة الظل" ودورها المحوري في تأمين الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة له تأثير بالغ على الروح المعنوية للأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال، وإدراك الأسرى الفلسطينيين أن المقاومة تمتلك القدرة على احتجاز جنود إسرائيليين واستخدامهم كورقة ضغط للتفاوض على إطلاق سراحهم يُعزز لديهم الأمل في الخروج من الأسر، هذا الشعور يشكل حافزاً نفسياً كبيراً لتحمل ظروف الاعتقال القاسية، ويُحفزهم على الثبات والصمود أمام محاولات

الاحتلال لكسرهم نفسياً، ويُذكرهم بأن زمن بقائهم في الأسر قد يكون محدوداً بفعل جهود المقاومة.

في النهاية، إن التفوق الباهر لـ "وحدة الظل" في الاحتفاظ بالأسرى الإسرائيليين لمدة 16 شهراً  لا يُعد مجرد إنجاز عسكري، بل هو شهادة على إرادة المقاومة وقدرتها الاستثنائية على فرض واقع جديد في الصراع مع الاحتلال، وإن هذه الفترة الطويلة من الاحتجاز تسلط الضوء على إدارة الملف الأمني بعقلانية واحترافية عالية، بما يعكس القدرة الاستثنائية للمقاومة في الضغط على الاحتلال وفرض شروطها، بما يعزز من موقفها السياسي والإستراتيجي على الساحة الإقليمية والدولية.

هذه الورقة الاستراتيجية التي تحتفظ بها المقاومة ليست مجرد أداة تفاوض، بل رسالة موجهة للعالم أن المقاومة الفلسطينية قادرة على الصمود والوقوف في وجه التحديات مهما كانت، وفي الوقت نفسه، فهي تؤكد على الإنسانية في التعامل مع الأسرى، بخلاف ممارسات الاحتلال الوحشية ضد الأسرى الفلسطينيين، مما يعزز الشرعية الأخلاقية للمقاومة ويُجسد التباين الكبير بين النهجين.

باختصار، إن استمرار وحدة الظل في الاحتفاظ بالأسرى يعكس قدرة المقاومة على إدارة المعركة على جبهات متعددة، ويمثل ضربة معنوية للعدو الإسرائيلي، ويثبت أن القوة الحقيقية لا تكمن في الأسلحة فقط، بل في القدرة على التأثير في إرادة المحتل وكسر هيبته، وفي تقديم الأمل لشعب بأسره يسعى للحرية والكرامة، وهذا إنجاز كبير لطوفان الأقصى الذي انطلق وكان أحد أهدافه تحرير الاسرى، فكانت "وحدة الظل" أداة محورية لتحقيق هذا الهدف، وستبقى شاهداً على إبداع المقاومة في استراتيجياتها، وركيزة أساسية في سعيها نحو تحقيق العدالة لشعب فلسطين.