في صباح يوم عادي، خرجت أنعام وادي من منزلها في شمال قطاع غزة لتأمين قوت يومها وعائلتها، لكنها عادت لتجد فاجعة تهز حياتها.
روت أنعام قصتها المؤلمة لـ "فلسطين أون لاين"، وكيف تحولت حياتها رأسًا على عقب بعد أن كانت تعيش حياة بسيطة مع أسرتها.
عادت بذاكرتها إلى يوم الفاجعة السابع عشر من نوفمبر 2023، أي بعد مرور 40 يومًا على حرب الإبادة الجماعية ضد سكان غزة، إذ تقول: "لم أشعر بأي شيء غريب، لكني سرعان ما اكتشفت أن هناك شيئًا ليس على ما يرام، فعلى باب منزلي كانت هناك سيارة إسعاف متوقفة، وأصوات ضوضاء ترتفع، وجثمان الشهيد بالكفن الأبيض".
وأضافت أنعام بصوت مملوء بالحزن: "لم أتمكن من تصديق ما حدث، لم أكن أتخيل أن زوجي قد رحل فجأة، وكأن الحرب لا تكتفي بما تأخذ، بل تفتك بكل شيء جميل"، تقول وادي بصوت ضعيف، وكأن الكلمات تختنق في حلقها.
لكن الحزن لم يتوقف عند زوجها، فاثنتان من بناتها أصيبتا جراء نفس القذيفة، وحتى هذا اليوم معاناتهما مستمرة بفعل الشظايا التي لا تزال تسكن جسديهما عنوة.
وفي اليوم التالي لاستشهاده، جافى النوم عينيها وأعين أبنائها بفعل اشتداد حدة القصف الجوي والمدفعي. تتابع حديثها: "لم ننم طيلة ساعات الليل ونحن ننطق الشهادة ونسمع أصوات الصراخ من حولنا واستغاثاتهم، فكنا ننتظر بزوغ فجر جديد ونحن على قيد الحياة لننجو بأرواحنا".
وفي صبيحة ذلك اليوم قررت النزوح، فخرجت من البيت دون أن تتمكن من حمل أي شيء من احتياجاتها، خاصة أنها حامل في الشهر الرابع ولديها خمس بنات وولد واحد.
اضطرت يومها إلى السير لمسافات طويلة كادت أن تفقد جنينها في أحشائها، وبرفقة ابنتيها المصابتين. كان المشهد لا يوصف، حيث أناس هاربون من القصف والموت دون أن يعرفوا لهم وجهة.
وتكمل وادي حديثها: "كان صعبًا أن أنزح دون زوجي، ولكن الاحتلال الإسرائيلي الذي كان يدفعنا نحو الجنوب بحجة أنها منطقة آمنة وإنسانية اضطرنا للنزوح مرات متعددة من خان يونس ثم رفح ثم الوسطى".
وتتساءل وهي تتنقل بعينيها في خيمتها الصغيرة: "كيف يمكن لإنسان أن يتحمل هذا الكم من الألم؟". الحرب جعلت من لحظات الفرح والتجمع العائلي ذكرى بعيدة، وبينما كانت تقف في مهب العاصفة، لم تكن تفكر في شيء سوى إنقاذ بناتها وتدبير قوت يومهم في ظل وضع اقتصادي صعب.
ورغم أنها خريجة خدمة اجتماعية، إلا أن الفرصة لم تسمح لها بالعمل في مجالها، لكنها تحاول بشتى الوسائل تأمين احتياجات أبنائها الأساسية من خلال صناعة المعجنات والحلويات، ويتولى ابنها إسماعيل، الوحيد الذي لم يبلغ 12 عامًا، بيعها. فبات يحمل عبئًا من المسؤولية بعد استشهاد والده
الدموع لم تفارق عينيها وهي تفكر في حياة لم تكن تعتقد يومًا أن حربًا ما قد تفجرها وتغرقها في حزن لا ينتهي. فلا يمر يوم دون أن تبكي وبناتها فراق زوجها وأبيهم، إذ يفتقدونه في هذه الظروف الصعبة.
لكن رغم الألم والمعاناة، تصر وادي على أن تبقى قوية من أجل عائلتها، التي ما زالت بحاجة إليها بعدما فقدت أهم شخص في حياتها. ترفض أن تصبح الحرب قاتلة للآمال أيضًا، فتتمسك بأحلام زوجها بإكمال مسيرة بناتها التعليمية.