كأنهم يتغذون على دمائنا العربية هؤلاء الذين لا يتوقفون عن القتل والإحراق ومحاولة إذلال أهل فلسطين، لا يتوقفون عن جرائمهم في الإبادة سواء كان ذلك في نهاية عام والعالم المسيحي وكنائسه يحتفلون بميلاد السيد المسيح أو في بدايات عام جديد، ولا يزال العالم يقف صامتا أمام الجرائم التي يقوم بها الكيان اللقيط على مدار الساعة.
نعم هناك بعض التظاهرات في مدن بالعالم ليلة 25 ديسمبر، ولكن من الغرابة أن عاصمة عربية واحدة فقط (صنعاء) هي التي شهدت مظاهرات تضامنية مع المقاومة الفلسطينية في غزة وفلسطين. ملايين اليمنيين خرجوا الجمعة الماضية تزامنا مع صواريخ المقاومة اليمنية تقصف الكيان الصهيوني.
عام ينتهي يستقبله العالم بأمنيات السلام والحرية وتستقبله غزة بمزيد من القتل والدمار، وأضاف الصهاينة إليهما الحرق للأطفال والنساء والأطباء والعجائز. عام وشهران مضيا على المذبحة والعالم يشاهد صامتا، أكثر من 153 ألف شهيد وجريح ومازلنا عاجزين عن إيقاف جرائم الكيان الغاصب لفلسطين. عام يصرخ فيها الأطفال من الجوع والعطش ثم البرد القاتل مع حلول نهاية عام وبداية عام ليموتوا بردا. جرائم تضاف لجرائم الاحتلال ويشاهدها العرب والمسلمون صامتين، إنه عام الخزي والعار لأمة العرب!
قتل وحرق لا ينتهي
لا أحب الولولة أو التغني بالمآسي، بل ولا أنكر أني أحاول دائما أن أجد من قلب المأساة ما ينبت الأمل وأسعى دائما إلى النظر لبطولات أبناء غزة وفلسطين لأرى فجر ميلاد التحرير، ولكن جرائم الكيان الصهيوني تجعل صراخ قلبي يشتد ودموعه تئن. يحاول الكيان قتل كل شيء في غزة وتتعدد جرائمه لا تتوقف عند القصف الصاروخي وما يخلفه من شهداء وجرحى لكنهم يجرمون في غيهم فيقتلون ويحرقون. بالأمس القريب قام قوات الاحتلال بإحراق مستشفي كمال عدوان، المستشفى الوحيد الباقي في شمال غزة لديه قدرة على العمل بطاقة طبية وإن كانت ضعيفة. يصرخ مدير المستشفى عدة أيام: إنهم يقتلوننا بآلياتهم، والعالم صامت، الآن تم إحراق المستشفى واستشهد ما لا يقل عن 50 يوجد بينهم على الأقل 5 من طاقم المستشفى الطبي حرقا.
لم يكتف جيش الاحتلال الصهيوني بحرق المستشفى بل أخذ الناجين من أطقم العمل والمرضى وقاموا بتعريتهم وإجبارهم على خلع ملابسهم وألقوا بهم في صقيع ديسمبر وشتاء غزة القارص! محاولات للقضاء على كل من يقدم خدمة طبية لأبناء غزة، وليضيفوا المستشفى إلى قائمة المستشفيات خارج الخدمة ولكن هذه المرة بالإحراق ثم الإذلال تحت الأمطار والبرد الثلجي الذي تتعرض له غزة.
منذ أيام كانت هناك صرخة من مستشفى المعمداني أنه مفروش بالشهداء أغلبهم من الأطفال والنساء، وهكذا تكون كل مستشفيات غزة قد خرجت من الخدمة الطبية. إن السلوك المغولي التتري للكيان الصهيوني لا يعرف معنى للقتال بشرف ولا قتال الرجال، وهكذا هم على مر التاريخ تتار العصر ومغوله.
يتعمد الكيان الصهيوني استهداف المستشفيات والمدراس والجامعات، والأماكن الأثرية التاريخية كما يستهدف البشر. يتصورون بعقولهم الدموية أنهم ينهون الشعب الفلسطيني، لا يتذكرون التاريخ أبدا فلا الهنود الحمر اختفوا، ولا شعب الجزائر الذي استشهد منه مليون شهيد كذلك، ولا فيتنام ذهب شعبها إلى مكان آخر رغم القتل الأمريكي، ولا حتى كوبا الصغيرة بجوار الولايات المتحدة الأمريكية أكبر بلاد العالم مساحة جغرافية. الصهاينة يتعمدون أيضا قتل الصحفيين، ما يقارب 200 صحفي وإعلامي قتلتهم الآلة الصهيونية في غزة على مدار العام، كان آخرهم استشهاد خمسة صحفيين من قناة القدس استهدف الجيش الصهيوني سيارتهم فجر الخميس الماضي.
خمسة صحفيين دفعة واحدة في سيارة واحدة يفجرها الاحتلال في إبادة إعلامية ليصبح العام المنقضي أسوأ عام في قتل الصحفيين. ولم تشهد أي حرب جرت في العالم هذا العدد من الإعلاميين الذين قتلوا في حرب طوال التاريخ. الصهاينة يكرهون الإعلام الحر والصحافة التي تنشر جرائمهم. ليس هذا فقط بل إنهم يريدون إعلام يصنعوه بأيديهم ينشر فقط ما يتلونه من بيانات وما يريدونه من تزوير. شهداء قناة القدس لن يكونوا آخر الإعلاميين الشهداء فكل باحث عن الحقيقة سيكون هدفا لأعداء الحقيقة والتاريخ.
عام الخسائر الكبيرة والمقاومة الباسلة
إذا كان الصهاينة يحاولون بكل طاقاتهم أن يجعلوا المقاومين يشعرون بخيبة الأمل عن طريق القتل والحرق، وإذا كان العام المنقضي كان عام خسارات كبيرة للمقاومة فإن العام يذكرنا أن المقاومة لم تستسلم لطغيان القوة الصهيونية المدعومة أمريكيا وأوروبيا. ورغم الخسارات الكبرى التي نحصيها فلابد أن نذكر قدرة المفاوض الفلسطيني وثباته على قواعد الوصول لاتفاق مع الكيان الصهيوني، وهو العاجز حتى الآن عن تحقيق نصر سواء بعجزه عن الوصول للرهائن، أو استسلام المقاومة لشروطه حتى قال أحد سياسيه إن التفاوض مع محمد السنوار أصعب من أخيه يحيى السنوار شهيدنا الأسمى الذي استشهد مقاوما بالعصا (عصا السنوار).
يحيى السنوار وعصاه هو أكبر خسارات عامنا المنقضي بما يمثله من رمز. والسنوار قائد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قضى شبابه في سجون الاحتلال، وفيه خطط وفكر في طوفان الأقصى وتنبأ بزوال الكيان الصهيوني، ليس هذا فقط بل كتب مشهد استشهاده في روايته (الشوك والقرنفل)، وأبو إبراهيم لم يكن قائدا مخططا فقط بل مقاوما في الصفوف الأولى مع المجاهدين واستشهد بعدما قاوم بآخر ما يملك وتصبح عصاه رمزا للمقاومة في كل مكان في العالم وهو أحد الخسارات الكبرى للمقاومة الفلسطينية في العام المنقضي.
سبق القائد يحيى السنوار الشهيد صالح العاروري نائب رئيس حركة حماس في استهداف صهيوني بمقر إقامته في بيروت. الطريق الوحيد للصهاينة للقتل مع القادة هو الاستهداف عن بعد والخيانة، والطيران الحربي. ولحق بصالح العاروري الشهيد القائد إسماعيل هنية في استهداف بطهران في مشهد صهيوني متكرر. هنية القائد رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) الصابر المحتسب الذي استشهد أبناؤه وأحفاده وبقى صابرا محتسبا هو النموذج الأمثل لصبر شعب فلسطين، فكما كان السنوار الشهيد نموذجا للمقاوم الفلسطيني، فإن هنية نموذج للمقاوم، ونموذج للصابرين من أبناء فلسطين.
في حصاد العام وخسائره الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وبنفس طرق الخسة الصهيونية والخيانة استشهد نصر الله الذي كان سندا كبيرا للمقاومة في غزة. قاد نصر الله المقاومة اللبنانية في معركة إسناد غزة لمدة عام كامل لم يتخاذل عن نصرتها حتى استشهاده في بيروت.
بغياب نصر الله فقدت المقاومة في غزة سندا مهما، ورغم معركة جنوب لبنان التي استمرت شهرين لم يتوقف دعم غزة حتى بعد استشهاده، إلى أن جرى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان في 27 نوفمبر الماضي. غياب نصر الله صاحب الانتصارات المتعددة على الكيان الصهيوني في 2000 و2006، وصاحب أكبر دعم للمقاومة الفلسطينية في غزة اكتملت حلقة الخسائر الكبرى لعام مضى.
رغم ذلك يبقى الانتصار الأهم هو صمود أبناء فلسطين في غزة والضفة الغربية وكل الأرض المحتلة. تبقى بطولات (المسافة صفر) في هذه الأرض من جباليا إلى جنين، ومن القدس حيث العمليات الفدائية إلى بيت لاهيا حيث المجاهدون الأبطال، وإنه لطريق التحرير والانتصار لشعب فلسطين الحر.
كان عامًا حزينا، وكنت أنوي كتابة مقال بعنوان عام الأحزان، وللحزن والألم ثقل في الغربة وفي العام المنقضي فقدت أصدقاء كانوا بمثابة المثل الأعلى والسند وشركاء الثورة والمقاومة، لم تكن حياتهم سوى السير في طريق الإخلاص لوطنهم وأمتهم ولأحلام الحرية والعدل والتنمية.
أصدقائي الذين رحلوا إلى دار البقاء: يحيى القزاز العالم الجيولوجي، المقاوم الذي لم يتخل عن نضاله حتى لحظات عمره الأخيرة، ومثله الكاتب الصحفي والسياسي الناصري حسن حسين دفعا من أيامهما وسنواتهما دفاعا عن الوطن والحرية والعدالة.