فلسطين أون لاين

إعلامٌ غربي يرقصُ على دمائِنا

...
إعلامٌ غربي يرقصُ على دمائِنا
نبيل سنونو

بعينٍ واحدة تنظر وسائل إعلام غربية إلى مجريات الأحداث في فلسطين، تضفي الكثير من "المكياج" على الاحتلال "الإسرائيلي" لتجميله، في انحياز تنعدم معه قيم مهنة الصحافة.

هو نهج تغيب معه صورة بنيامين نتنياهو ويؤاف غالانت بصفتهما مجرمي حرب مطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، وتداري إرهاب إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش الذين يتمددان ومعهما قادة الاحتلال في التهام فلسطين كسرطان بلا دواء.

وتتيه معه الحقيقة في بوتقة من التبعية العمياء للمحتل، ليمر سيل من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية "بصمت".

وهنا يبرز دور موقع وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية مع وسائل إعلام غربية عدة تصفحتها ومنها صحف "الاندبندنت" البريطانية، و"نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" الأمريكيتين، وغيرهم.

ويصف موقع "أسوشيتد برس" ومعه الوسائل المذكورة ما يجري في غزة بأنه "Israel-Hamas war" أي حرب بين (إسرائيل) وحركة حماس، لا حرب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني بأكمله بشهادة الأمم المتحدة بقصد تهجيره من أرضه وقتل أكبر عدد من أبنائه.

إنها حقيقة يقر بها وزير جيش الاحتلال السابق موشيه يعلون الذي يؤكد أن ما يجري في شمال قطاع غزة هو تطهير عرقي.

وهنا أسأل وسائل الإعلام الغربية: ألم تسمعوا بن غفير وهو يطالب بتهجير الفلسطينيين من أرضهم في غزة وإحلال المستوطنين مكانهم؟ ألم تصلكم هرطقات سموتريتش الذي يريد "ضم" الضفة الغربية؟ ألم تشاهدوا الحاضر وتقرؤوا التاريخ؟

وعلى هذا النحو تريد تلك الوسائل وهي في حقيقتها دعائية لا إعلامية إزاء القضية الفلسطينية، مخاطبة العقل الباطن لجماهيرها المضللة لتبرير جريمة تدمير الاحتلال معظم قطاع غزة، وتجويع وتعطيش سكانه، وقتل وجرح نحو 150 ألفا منهم في غضون سنة.

ولتحقيق هذه الهدف الدعائي أيضا لا يرون حرجا في تجاهل جذور وأسباب ما يجري ألا وهو الاحتلال "الإسرائيلي" الطويل لفلسطين، فهم يدعون أن الحرب بدأت في 7 تشرين الأول 2023، لا في 1967 عندما احتلت الضفة الغربية وقطاع غزة ولا في نكبة 1948 المستمرة حتى يومنا هذا.

وعلى العكس من ذلك يستميتون في إظهار (إسرائيل) على أنها "ضحية" لا احتلالًا. ومثال على ذلك عبارة "Israel, which was founded in the aftermath of the Holocaust" أي (إسرائيل) التي "تأسست بعد المحرقة"، وذلك لاستثارة عواطف الجمهور الغربي وتهيئته لتقبل جرائمها متناسين أن القانون الدولي لا يتيح للاحتلال مبدأ "الدفاع عن النفس".

ولإخفاء الحقيقة، يتعمدون أيضا في معظم الأحيان عدم نسبة الجرائم للاحتلال، عبر استخدام الأفعال المبنية للمجهول.

وهم يتبعون عدد قتلى الاحتلال بعبارة "mostly civilians" أي "معظمهم مدنيون" على حد زعمهم، دون تقديم دليل أو مصدر مستقل، لكن في المقابل تنصلوا في مواطن عدة من حقيقة أن معظم الضحايا الفلسطينيين هم نساء وأطفال.

كما أن وسائل الإعلام الغربية تتجاهل تماما معاناة الأسرى الفلسطينيين المريرة على مدار عقود طويلة.

وعلى طريقتهم، يمرون "باستحياء" على تبعات حرب الإبادة الجماعية في غزة منذ سنة ويزيد، ولا يسمعون صوت شعب يتوق للحرية التي يتغنون هم بالدفاع عنها.

وبالمجمل يعمدون إلى النشر المكثف لرواية الاحتلال الإسرائيلي، مقابل تغييب الرواية الفلسطينية.

لكن ازدواجية المعايير تكون سيدة الموقف عندما يتعلق الأمر بالحرب الروسية الأوكرانية.

يحدث ذلك في "شريعة الغاب" التي يوظف فيها القانون الدولي لخدمة الغرب، ويحارب فيها عندما يسعى العالم كله لتطبيقه على (إسرائيل).

هكذا تتحول صحف ومواقع إخبارية غربية "شهيرة" إلى مسرح لخداع جماهيرها، بمهرجين لا محررين وصحفيين، لا يرون ولا يسمعون إلا ما يقرره صانع القرار في (تل أبيب).