فلسطين أون لاين

​مصالحة مؤجلة بقرار فلسطيني

...

هواجس فشل المصالحة الفلسطينية باتت تسيطر على أذهان الفلسطينيين، إثر التباطؤ الشديد الذي يتعامل به الرئيس محمود عباس مع استحقاقات المصالحة الفلسطينية الداخلية، لاسيما رفع العقوبات الجماعية التي فرضها على أهالي قطاع غزة.

"مش مستعجل" تُمثّل اليوم عنوان المرحلة السياسية في تعاطي عباس مع ملف المصالحة الفلسطينية، فالعبارة التي أدلى بها الرجل خلال لقاء متلفز بعد أسبوعين كاملين من حل حماس لجنتها الإدارية (شرط عباس لرفع عقوباته عن غزة) تؤكد عدم جديته في إتمام المصالحة الفلسطينية، وإصراره على استمرار إجراءاته العقابية ضد غزة، وهي الإجراءات التي وصفتها المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا في وقت سابق بأنها "جرائم ضد الإنسانية"، وتشكل خرقًا فاضحًا لقواعد القانون الدولي الإنساني.

مظاهر الفرح والسرور التي عمّت أجواء قطاع غزة إبّان دخول حكومة الوفاق إلى غزة لم تكن احتفاءً بعودة حركة فتح لتحكم غزة بقدر ما كانت ابتهاجًا بانتهاء حقبة الانقسام، وهي خطوة مهمة طالب بها أبناء القضية الفلسطينية وأنصارها طيلة السنوات الماضية.

فرحة أبناء غزة بإنهاء الانقسام بددتها غيوم عقوبات عباس التي ما زالت متلبدة في سماء غزة، مع توقيع اتفاق المصالحة بضمانة مصرية، وتسلّم وزراء حكومة الوفاق مهامهم واستقبالهم بحفاوة بالغة داخل وزارات غزة، والأنكَى هو إصرار الرئيس على تجاهل تأثيرات عقوباته غير الإنسانية على مليوني فلسطيني محاصرين في غزة، وهو الأمر الذي اتضح جليًّا بعد اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، الذي عقد أخيرًا في مدينة رام الله، حين تجاهل عباس مطالبة العديد من أعضاء اللجنة برفع تلك العقوبات.

قد نتفهم حالة التوجس وعدم الثقة التي تبديها قيادة السلطة نتيجة انقسام فلسطيني جاوز عقدًا من الزمن، ولكن ما لا نستطيع تفهمه هو عدم إدراك تلك القيادة حتى اللحظة مخاطر الانقسام السياسية والاجتماعية، التي وصلت إلى ذروتها قبيل إقدام حماس على التنازل عن إدارة شئون غزة، واستقبالها الحافل لحكومة الوفاق، ودعوتها عباس شخصيًّا لزيارة غزة، وهي خطوات إيجابية لاقت ترحيبًا فلسطينيًّا ودوليًّا، وأظهرت حرص حماس على الوحدة الفلسطينية، في مقابل تردد واضح أبدته قيادة السلطة الفلسطينية، ومن خلفها حركة فتح.

السلطة مطالبة اليوم دون تردد بالمبادرة إلى طي صفحة الانقسام بخطوات عملية تجاه المصالحة، تبدأ بإلغاء كل الإجراءات العقابية التي اتخذتها بحق أهالي غزة، وتنفيذ بنود المصالحة على مبدأ الشراكة لا الإقصاء، والتعاون لا التهميش، والتصالح لا الانتقام، فتغوّل الاحتلال على شعبنا، وتراجع التأييد الذي أحدثه الانقسام في قضيتنا يوجبان علينا جميعًا ألا نسمح لأيٍّ كان أن يعيد إنتاج مسلسل الانقسام الفلسطيني من جديد.

تصريحات العديد من مسئولي السلطة وحركة فتح بشأن غزة وحماس _خاصة فيما يتعلق بسلاح المقاومة وملف موظفي غزة_ تنبئ بفشل جولة المصالحة الحالية، وأنها نسخة مكررة لجولات المصالحة السابقة في صنعاء ومكة والدوحة والقاهرة، لكن الجديد هذه المرة هو إصرار شعبنا الفلسطيني أطيافه كافة على تجاوز شروط الرباعية المجحفة ومعيقات الاحتلال، وفضح الطرف المعيق لإنهاء الانقسام، وأن الوسيط المصري يبدو لأسباب عديدة مُصرًّا على تعرية المستفيدين من الانقسام الراغبين في استمراره سنوات مقبلة.

إشارة عباس مرارًا إلى سلاح المقاومة في غزة، وتذرّعه بمصطلح "تمكين الحكومة" الفضفاض، وارتهانه للقرار الأمريكي بإرساله وفدًا من مخابراته لاستشارة إدارة "ترامب" قبل رفع عقوباته عن غزة تؤكد رفضه الوساطة المصرية الحالية، وعدم جدّيته في إتمام ملف المصالحة، دون التفات منه إلى معاناة أهالي غزة المتواصلة نتيجة استمرار الانقسام والحصار.

أؤمن أن خيار عباس الوحيد هو المسارعة نحو إتمام ملف المصالحة، فغزة التي اتخذت خطوتها الأولى نحو المصالحة لن تنتظر مزيدًا من الوقت، وفشل المصالحة في هذه الجولة سيتبعه انعطافة إستراتيجية في المستقبل الفلسطيني، ستطال تأثيراتها _بكل تأكيد_ مستقبل حركة فتح والسلطة برمّتها.