عبر مجموعة إلكترونية أنشأتها الشرطة المدنية في غزة؛ لتنظيم حركة المواطنين عبر الصراف الآلي لبنك فلسطين (فرع النصيرات – فرع دير البلح) وسط القطاع، استطاعت المعلمة الحكومية أمل القريناوي بعد انتظار لأسابيع طويلة التسجيل عبر المجموعة.
كان ذاك الأمر، بحسب إفادة القريناوي (45 عاما) حينما فتح "مشرف المجموعة" في برنامج التواصل "تلغرام" التسجيل لأعداد جديدة مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي.
ومنذ ذاك الموعد وحتى هذه اللحظة، تراقب الأم لستة أبناء مستجدات عملية الصرف ومعرفة دورها لاستلام راتبها عبر الصراف الآلي لبنك فلسطين – النصيرات، لكن دون تقدم أو استفادة من قبل المسجلين.
وبعد تصفح مراسل "فلسطين أون لاين" تلك المجموعة، في 3 ديسمبر/ كانون أول الجاري كانت آخر رسالة لمشرفها: "تنويه/ لليوم الخامس عشر على التوالي: أبلغنا موظفي بنك فلسطين بعدم وجود سيولة نقدية، وسيقوم البنك باجراءات معينة لضمان عملية الصرف قريبا".
ورغم تلك الرسالة، شككت القريناوي بمصداقية إدارة البنك متهمة إياها بـ"أنها أحد أطراف الحرب على الغزيين"، وصبت جام غضبها على البنوك المحلية التي تركت الغزيين "يعيشون أتون حرب اقتصادية" بالتزامن مع حرب الإبادة الإسرائيلية.
وقالت بغضب: للشهر الرابع على التوالي لم أستطيع سحب راتبي أو جزء منه عبر الصراف الآلي. متسائلة في الوقت ذاته: "لماذا هذه السياسية؟ لماذا يعذبوننا؟".
وبحسب "مشرف المجموعة" الذي تحدث لمراسل "فلسطين أون لاين" فإن الهدف من إنشاؤها هو تنظيم أعداد العملاء الذين يترددون على الصراف الآلي لبنك فلسطين في وسط القطاع.
وأوضح أن دورهم وعملهم يقتصر خارج عمل البنك وتحديدا أمام الصراف الآلي فقط؛ لمنع المشاجرات وحالات الازدحام والاختناقات بين المواطنين.
وذكر أن هناك استفسارات وتساؤلات كثيرة من قبل المشتركين في المجموعة حول وقف الصرف وغياب السيولة لأسابيع طويلة في البنك، رافضا في الوقت ذاته الحديث عن أية تفاصيل أخرى.
ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية في 7 أكتوبر 2023م لم تفتح البنوك المحلية أبوابها أمام عملاءها سواء في شمال القطاع أو جنوبه، وحاليا لا يعمل سوى صرافان آليان لبنك فلسطين أحدهما في مخيم النصيرات والآخر في مدينة دير البلح.
وسائل أخرى
ولا توجد طريقة أخرى أمام الموظف حسين الطويل الذي خرج من خيمته مبكرا للانتظار أمام أحد مكاتب الصرافة في مدينة دير البلح؛ من أجل الحصول على راتبه أو جزء منه أمام اقتطاع نسبة 30 % من المبلغ المحدد.
وقطع الطويل النازح من مدينة رفح إلى مواصي خان يونس عدة كيلومترات من أجل الوصول لمكتب الصرافة المحدد؛ وذلك في محاولة للحصول على "أية مبلغ" لإعانته على مصاريف الحياة وتكاليف النزوح الشاقة.
وتساءل خلال حديثه لـ"فلسطين أون لاين": "ماذا يفعل إنسان نازح في خيمة قماشية منذ 7 شهور؟ هل توجد خيارات أمامه للحياة؟".
يتنهد الأب (50 عاما) لسبعة أبناء ويذكر: "أصعب مواقف الحياة عشناها في هذه الحرب .. ما شعورك حينما يطلب منك طفلك أو أسرتك طعام أو شراب ولا تستطيع توفير ذلك؟".
ويقول: "الحياة صعبة وشاقة والقصف الإسرائيلي هنا وهناك .. في المقابل الأسعار مرتفعة جدا وغير مسبوقة في حياة أهل غزة".
وكرر موظف القطاع الحكومي أسئلته بغضب: "هل من المنطق أن لا يستفيد الموظف من راتبه في هذه الحرب الهمجية؟، لماذا لا يفتح البنك أبوابه لتخفيف أزمات المواطنين؟ .. من أين تحصل مكاتب الصرافة على الأموال .. أليست من البنوك؟".
وبرأيه فإنه لا خيارات أخرى أمام الغزيين الذين يعيشون "حرب إبادة إسرائيلية" سوى البحث عن الحياة في ظل هذا الموت.
وبعد نهار طويل قضاه الموظف الطويل، استطاع العودة لأسرته في تلك الخيمة بمبلغ 700 شيقل مقابل 300 شيقل لصالح مكتب الصرافة الذي يصرف الأموال لبعض الزبون وفق توفر السيولة المالية.
ورغم تحذيرات منظمات دولية وأممية من سوء الأوضاع المعيشية في غزة، فإن سلطات الاحتلال تتعنت في السماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر برا وبحر وجوا.
وعند تصفح مراسل "فلسطين أون لاين" بعض المنشورات عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وجد عدة منشورات تدعو لـ"المقايضة"؛ بسبب قلة السيولة المالية.
وعلى سبيل المثال، يطلب أحد المواطنين مقايضة (شادر بلاستيك مقابل كيس دقيق)، وآخر مقايضة (لتر سيرج مقابل كيلو سكر)، وثالث (علبة سمنة مقابل كيلو ونصف عدس)، في حين طلب أب (تبديل عجلة هوائية صغيرة مقابل أخرى أكبر).
وفي بداية الأمر كان "حدثا للتندر"، بحسب المواطن مصطفي الأسمر لكن لاحقا اضطر لعملية مقايضة بين مواد غذائية وعلبة حليب لطفلته (عام ونصف).
وبحسب مركز الميزان لحقوق الإنسان فإن قوات الاحتلال أمعنت في استخدام جميع الوسائل والإجراءات التي من شأنها أن تلحق أذى واسعا بالمدنيين والأعيان المدنية في سياق "الإبادة الجماعية" ومن بينها "السيولة النقدية".
وأكد مركز الميزان في تقرير أصدره، مؤخرا، أن عمل المصارف وتقويض قدرتها على تقديم خدماتها المالية للجمهور، هو "واحد من أدوات الإبادة الجماعية".