أحسنت حركة المقاومة الإسلامية حماس في تشكيل وفدها إلى القاهرة للمشاركة في جولات الحوار مع حركة فتح، والتي أثمرت اتفاقا برعاية مصرية كبيرة ، لا سيما رئاسة الوفد متمثلة بالشيخ صالح العاروري .
فترة قصيرة مضت على انتخاب مجلس الشورى في حماس الشيخ العاروري نائبا لرئيس المكتب السياسي للحركة ، ثم التوافق على قيادته لوفد الحوار ، وأظن أن للأمر دلالات عديدة !! .
تشكيلة الوفود لدى حركات كبرى مثل حماس لا تأتي جزافا وهي التي تعرف في العلوم السياسية بالحركات ذات المفاعيل الدولية ، فالعاروري صاحب التاريخ العسكري في مقاومة الاحتلال هو المنتخب رئيسا لإقليم حماس في الضفة المحتلة ، ومن المعروف أن حركة حماس موزعة على ثلاثة أقاليم هي قطاع غزة والضفة والخارج .
ويبدو أن حماس عمدت لأن تكون الضفة المحتلة حاضرة وبقوة كبيرة في الوفد من خلال رئاسة العاروري، رغم أن الوفد يضم عضو قيادة الضفة حسام بدران مسؤول ملف العلاقات الوطنية في الحركة ، وهي رسالة لأبناء وقواعد حماس في الضفة التي عانت من تداعيات الانقسام كما غزة وربما أكثر بحضور الضفة في كل جوانب الحوار ، فالاعتقالات بحق أبناء حماس لم تتوقف لحظة واحدة رغم كثير الاجتماعات والاتفاقات ، وحملات فصل الموظفين وقطع رواتب الأسرى وملاحقة وإغلاق الجمعيات الخيرية مستمر، وتقييد الحريات العامة والصحفية يتصاعد ، ومصادرة الأموال بذرائع واهية قائمة، ولذلك من حق الضفة أن تنعم بأجواء المصالحة وينتهي فيها الانقسام !! .
ويضم الوفد في عضويته أعضاء المكتب السياسي قائد إقليم قطاع غزة يحيى السنوار ونائبه د. خليل الحية ، وعزت الرشق أحد القادة التاريخيين لحماس في الخارج ، و د. موسى أبو مرزوق رئيس المكتب السياسي لحماس الأسبق الذي قاد الحوار مع فتح سنوات عديدة لتعطي بذلك درسا جديدا في القيادة والجندية والالتزام بنظم وقوانين الحركة ، فالقائد في موقع أو إقليم قد يكون جنديا في موقع آخر وهذا لا يقلل من قدره أو قيمته ، بل هو إعلاء لدوره وقيمته وتجسيد لأدبيات حماس ومبادئها الإسلامية.
وفي لفتة ذكية، فإن رئيس الوفد ملاحق من قبل المخابرات الإسرائيلية، ومصنف ضمن قائمة ما يسمى الإرهاب لدى الإدارة الأمريكية ، فهي رسالة إلى جميع المعنيين بتمسكها بقادتها مهما كلف من ثمن ، والشيخ العاروري سيتحرك في العالم –وإن كان بحذر – ولن تستطيعوا حجزه رغم مراقبة كل أجهزة الاستخبارات العالمية لتحركاته، فهو ثائر من أجل فلسطين وشعبها ومقدساتها ، وأمتنا العربية والإسلامية لن تتخلى عن فلسطين ورجالها مهما أصابها من أمراض وألم ، فهي رسالة أمنية وسياسية للمجتمع الدولي برمته ، وها هو يترأس وفدا كبيرا في زيارته إلى طهران .
غني عن القول، إنه ورغم التشكيلة القيادية الكبيرة لوفد حماس للحوار والمخولة باتخاذ القرار المناسب، لكن أحدا منهم لا يستأثر بالقرار منفردا مهما كان وزنه ، فالمشورة الداخلية والتفاهم كانا عنوانَ النقاش لإنضاج أي قرار، والتنظير له، ثم يلتزم الجميع بقرار رئيس الوفد .
شكرا حماس ... ففي كل مرة تعطينا نموذجا في القيادة والجندية ، ودرسا في الفكر والممارسة ، وعنوانا للتناغم القيادي والمنظومة الحركية ، والتزاما بدورية الانتخابات الداخلية ، وتقدما في التطور السياسي نادرا ما نراها في الحركات العلمانية واليسارية التي أرهقتنا وهي تتحدث عن الديمقراطية !!.