قال وزير الخارجية التونسي الأسبق، د. رفيق عبد السلام، إن الموقف العربي والإسلامي تجاه حرب الإبادة (الإسرائيلية) على قطاع غزة ضعيف إلى درجة التواطؤ في كثير من الحالات، مؤكدًا أن الدول العربية التي تقود النظام العربي الرسمي تتجنب اتخاذ موقف حازم ضد (إسرائيل)، وبدلاً من ذلك تراهن على مسار التطبيع، حتى أن بعض القادة يفضلون أن "يتخلص" رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو من المقاومة الفلسطينية نيابة عنهم.
وعبّر عبد السلام في حوار مع موقع "فلسطين أون لاين"، عن عدم تفاؤله بنتائج القمة العربية الإسلامية المشتركة التي تعقد في الرياض اليوم الإثنين، لكنه توقع أن تدفع بعض الدول الإسلامية المؤثرة مثل تركيا وإيران باتجاه اتخاذ موقف جاد، مشيرًا إلى أن الحد الأدنى المتوقع هو إصدار إدانة واضحة للعدوان (الإسرائيلي) والتأكيد على رفع الحصار عن غزة، وهو ما أقرته القمة السابقة في نوفمبر 2023.
وشدّد على أن الدول العربية تمتلك أدوات ضغط مثل قطع العلاقات مع (إسرائيل)، واستخدام النفط والقواعد العسكرية للضَّغط على الولايات المتحدة و(إسرائيل)، لكن ضعف الإرادة وانفصال الحكام عن شعوبهم يعيق تحقيق ذلك، مشيرًا إلى أن مصر شريك في حصار غزة رغم شعاراتها بدعم القضية الفلسطينية، بينما يقتصر دور الأردن على القيام بدوره الوظيفي في حماية الاحتلال.
ورأى أن الشعوب العربية تظل داعمة للقضية الفلسطينية، وإن لم يرتق تحركها إلى السقف المطلوب، إذا أن القمع وضعف حرية التعبير يعيق تحرك الشارع العربي، مشيرًا إلى أن القيادات السياسية والشعبية مغيبة بالسجون، ما يقلل من زخم التحركات الشعبية لدعم غزة.
وانتقد عبد السلام دعم الغرب المطلق لـ(إسرائيل) رغم الانتهاكات الواضحة، وهو ما ينسجم مع التوجهات الاستراتيجية الكبرى في دعم (إسرائيل) دون قيد أو شرط وتسليطها على الفلسطينيين والعرب كقاعدة سياسية وعسكرية متقدمة للسيطرة على الشرق الأوسط.
ويعتقد أن هناك احتمالية لتوسيع الاحتلال (الإسرائيلي) نطاق الحرب إلى دول عربية خاصة مع وجود حكومة يمينية صهيونية تحلم بـ(إسرائيل الكبرى)، وترى أحقيتها التاريخية والدينية في السيطرة على الجوار العربي، مشددًا على أن الحكام العرب مطالبون بالدفاع عن مصالحهم وأوطانهم المهددة في الصميم.
واعتبر أن موقف إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تجاه غزة كان مشينا من الناحية السياسية والأخلاقية، وأعطى نتنياهو الوقت لاستكمال مهمته في حرب الإبادة الجماعية في غزة دون موقف واضح وصارم بإنهاء العدوان، متوقعًا أن يتبع الرئيس المنتخب دونالد ترامب نفس السياسات والخيارات مع وصوله إلى البيت الأبيض مع فرض مزيد من التطبيع وتعميم الاتفاقيات الابراهيمية التي تعطي (إسرائيل) موقع القيادة السياسية والإستراتيجية والاقتصادية للمنطقة.
وفيما يلي نص الحوار مع وزير الخارجية التونسي الأسبق د. رفيق عبد السلام:
• كيف تقيّم الموقف العربي والاسلامي تجاه حرب الإبادة (الإسرائيلية) المستمرة على قطاع غزة منذ أكثر من عام؟ وبرأيك ما الأسباب التي تعيق اتخاذ موقف عربي موحد وحازم تجاه ما يجري في غزة؟
الموقف العربي ليس ضعيفا أو متخاذلا فحسب، بل للأسف يصل الأمر في حالات كثيرة الى درجة التواطؤ مع العدوان على غزة ثم لبنان، وليس هناك من تفسير لذلك سوى أن الدول التي تتولى قيادة النظام الرسمي العربي لا تريد أن تتخذ موقفا موحدا وحازما ضد دولة الاحتلال لأنها كانت ومازالت تراهن على مشروع التطبيع، بل إن بعضها يرغب أن يقوم نتنياهو باستكمال المهمة نيابة عنها أي تخليصها من ما يسمونه "صداع" الملف الفلسطيني وعبئ المقاومة. حينما تعتبر دول عربية أن مهددات الأمن القومي باتت تتلخص فيما يسمونه "الخطر الإيراني" و"الإسلام السياسي" وما عادت (إسرائيل)، فمعنى ذلك أن هناك خلل فد الخيارات والاستراتيجيات الكبرى، وحينما تكون المقدمات خاطئة تؤدي بالضرورة إلى نتائج خاطئة، وهو ما يعكس الواقع الراهن في المنطقة.
· ما المنتظر من القمة العربية الإسلامية التي ستُعقد في الرياض اليوم الإثنين؟ وما هي التوقعات لنتائج القمة؟
لا أعوّل كثيراً على الموقف العربي، ولكن هناك أمل في أن تدفع بعض الدول الإسلامية المؤثرة، مثل إيران وتركيا وماليزيا، باتجاه اتخاذ موقف أكثر جدية، ومن والمؤمل أن تخرج القمة، وهذا هو أضعف الإيمان، بإدانة واضحة وصريحة للعدوان (الإسرائيلي)، مع التأكيد على عدم الاعتراف بالتغييرات التي يفرضها جيش الاحتلال في غزة ولبنان بالقوة العسكرية. كما يجب تثبيت قرار قمة الرياض الأخيرة (عقدت في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023) برفع الحصار عن غزة وتفعيله عملياً.
لا أحد ينتظر من الدول العربية تحريك الأسلحة التي خزنتها لسنوات طويلة وأنفقت عليها أموالا هائلة على حساب قوت شعوبها، إذ إن المنطقة العربية تتصدر أعلى معدلات الإنفاق العسكري في العالم، ولكن ما هو مطلوب منهم في الحد الأدنى ألا يكونوا شركاء مع الاحتلال (الإسرائيلي)، وأن تبادر بقرار جماعي بفك الحصار عن غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية سواء كانت صحية أو غذائية أو محروقات.
وفي هذا السياق، تقع المسؤولية بدرجة أولى وأساسية على مصر بحكم الجوار المباشر، إذ مازالت مُصرة على تطبيق حصار جائر على غزة، بزعم أن (إسرائيل) لا تسمح بإدخال المساعدات، وهذه حجة أقبح من ذنب لأنها تظهر مصر دولة هشة ولا تملك من أمرها شيئًا، كما تفتقد الحد الأدنى من مقومات السيادة على أراضيها وحدودها.
• وما الأدوات السياسية والاقتصادية التي يمكن أن تستخدمها الدول العربية للضغط على (إسرائيل) لوقف الجرائم الإسرائيلية في غزة؟ وكيف يمكن للدول العربية استثمار علاقاتها مع القوى الدولية، مثل الولايات المتحدة وأوروبا، للضغط على (إسرائيل)؟
الدول العربية في الحقيقة ليست ضعيفة ولكنها أسيرة الشعور بالضعف والهوان بسبب انفصال الحاكم العربي عن عمقه الشعبي واعتماده بصورة شبه كاملة على السند الخارجي، الدول العربية تستطيع أن تتخذ موقفا جماعيا وملزما للأعضاء، بوقف مسار التطبيع وانهاء العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والمالية مع الكيان، ودولة مثل مصر مثلا تستطيع الإعلان عن وقف اتفاقية "كامب ديفد" مالم تلتزم (إسرائيل) بتطبيق بنودها ومن ذلك السلطة على المعابر، كما يمكن للدول العربية أن تستخدم سلاح النفط والاستثمارات والمعابر والمضائق وحتى القواعد العسكرية كآليات ضغط على الأمريكان، خصوصا وأن حالة التعددية الدولية التي تسم الوضع الدولي تعطي امكانيات حركة أوسع للدول.
بالخلاصة ما يفتقده العرب ليس الامكانيات وأدوات القوة والتأثير ولكن الإرادة الجماعية وغياب الرؤية المشتركة والقيادة القوية والمتبصرة.
• كيف تقيم موقف الشعوب العربية تجاه ما يجري في غزة؟ وهل تعتقد أن التحركات الشعبية العربية، مثل المظاهرات يمكن أن تساهم في الضغط على الحكومات لاتخاذ مواقف أقوى تجاه الحرب على غزة؟
موقف الشعوب العربية متفاوت، تناسبا مع تفاوت مناخ الحريات، ولم يرتق إلى السقف المطلوب، ولكن هذا الأمر لا يجب أن يوقعنا في الخطأ كأن نقول أن الشارع العربي لا يعبأ بما يجري في غزة ولبنان، ودليل ذلك أن الشباب العربي يتحرك بقوة في مختلف العواصم الغربية، بل هو يتصدر قيادة الشارع حيث توجد مناخات حرية نسبيا، والحقيقة أن القضية الفلسطينية تظل حاضرة بقوة في وعي ووجدان الشعوب العربية والإسلامية عامة، والناس تتوجع ألما وحرقة على ما يجري في غزة ولبنان، ولكن أجواء القمع وضرب القوى الشعبية ساهما في تعطيل حركة الشارع العربي، إذ لا ينتظر من الشعوب أن تتحرك وتتظاهر في ظل أجواء الحصار وتغييب النخب والقيادات الفاعلة، والشعوب بقياداتها وطلائعها، للأسف كلنا يعرف أن السجون العربية تغص اليوم بقيادات السياسة والراي في العالم العربي. نحن نعاني من احتلال خارجي عنوانه الأبرز العدوان الصهيوني علينا ومن احتلال داخلي فرضته علينا الدكتاتوريات العربية العميلة والتابعة.
• ما هو تقييمك لدور دول الجوار، مثل مصر والأردن، في الضغط على الاحتلال الإسرائيلي لوقف الإبادة في غزة أو على الأقل تقديم المساعدات الإنسانية لغزة في ظل المجاعة تواجه سكانها؟
لعل أكبر نقاط الضعف في الوضع العربي هي دول الجوار المباشر وعلى رأسها مصر والأردن، فمصر تكتفي بيع شعارات من قبيل "نحن ملتزمون بالقضية الفلسطينية" والأمن القومي المصري خط أحمر، بينما واقع الحال يقول إن مصر لم تفعل شيئا لمؤازرة غزة ولو بالحد الأدنى الذي تفرضه معطيات الجغرافيا والتاريخ، بل هي شريك كامل في فرض الحصار، وقد انتهك أمنها القومي عشرات المرات من دون أن تفعل شيئا، ومن ذلك سيطرة جيش الاحتلال على معبر رفح البري ومحور صلاح الدين من دون أن تحرك ساكنا، أما الأردن فيكتفي بالقيام بدوره الوظيفي في حماية الاحتلال وتوفير مسالك بديلة لمده بحاجياته الغذائية وغيرها.
• كيف ترى دور المجتمع الدولي تجاه ما يحدث في غزة؟ وكيف تفسر ازدواجية المعايير التي ينتهجها المجتمع الدولي في التعامل مع حقوق الإنسان والقضايا الإنسانية في فلسطين مقارنة بمناطق صراع أخرى؟
الموقف الدولي الرسمي منحاز في عمومه لـ(إسرائيل) هذا إذا استثنينا بعض الدول الأوروبية التي جاهرت بموقف ناقد مثل إيرلندا وإسبانيا، وهذا الأمر ينسجم مع التوجهات الاستراتيجية الكبرى في دعم (إسرائيل) دون قيد أو شرط وتسليطها على الفلسطينيين والعرب كقاعدة سياسية وعسكرية متقدمة للسيطرة على الشرق الأوسط، مقابل ذلك رأينا كيف وقف الغرب على قلب رجل واحد في مواجهة ما اعتبره عدوانا روسيا على أوكرانيا، وقد استخدم الحصار المالي والاقتصادي على روسيا وزود أوكرانيا بالسلاح والمال وكل شيء، وكأن لسان حاله يقول لنا: أنتم ايها الفلسطينيون والعرب من صنف دوني من البشر، لذا يجوز في حقكم حروب الإبادة الجماعية والتقتيل والتشريد بينما هذا الأمر ممنوع أن يمارس على الشعوب الأرقى منكم.
• كيف ترى انعكاسات استمرار الحرب على غزة على استقرار المنطقة العربية ككل؟ وهل هناك مخاف لامتداد الحرب إلى دول أخرى بعد لبنان، وكيف يمكن لحرب غزة أن تعيد تشكيل التحالفات الإقليمية والدولية في المنطقة؟
احتمال امتداد الحرب أمر وارد جدا خاصة وأننا ازاء حكم فريق صهيوني يميني يحلم بـ(إسرائيل الكبرى) ويرى أحقيته التاريخية والدينية في السيطرة على الجوار العربي، ونتنياهو لا يكف الحديث عن إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد بالقوة النارية. الواضح أن العدوان على غزة نبه إلى أن الخطر ليس بعيدا بل هو يدق الأبواب وأن دولة الاحتلال لن تتورع عن فتح جبهات أخرى، ولكن من يقنع الحاكم العربي بهذه المهددات وهو مصر على امتطاء قاطرة التطبيع وتسليم مصيره لنتنياهو.
لذا المطلوب من العرب ليس أن يدافعوا عن غزة أو لبنان بل أن يدافعوا عن أنفسهم وأوطانهم المهددة في الصميم أولا وقبل كل شيء، فقد شاءت معطيات الجغرافيا وأقدار التاريخ أن يكون الشعبين الفلسطيني واللبناني في الخط الأمامي لا غير.
• كيف تقيمون موقف إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تجاه الجرائم (الإسرائيلية) في غزة؟ وما السياسات التي قد يتبعها دونالد ترامب بعد وصوله إلى البيت الأبيض تجاه القضية الفلسطينية والحرب في غزة؟
موقف بايدن كان مشينا من الناحية السياسية والأخلاقية وقد أعطى نتنياهو كل ما يحتاجه من دعم عسكري وسياسي ومالي وحماية قانونية، وظل الديمقراطيون يناورون إلى ربع الساعة الأخير عبر الألاعيب السياسية والدبلوماسية والخطابية، ومن ذلك الزيارات المكوكية وارسال المبعوثين والحوارات والمبادرات من دون أن يتحقق شيء على الأرض، وكان الغرض منها إعطاء نتنياهو ما يستحق من الوقت لاستكمال مهمته في حرب الإبادة الجماعية في غزة من دون موقف واضح وصارم بفرض وقف إطلاق النار وإنهاء العدوان.
ما أتوقعه من ترامب هو تغيير في التكتيكات والأساليب من دون تغيير في الأسس والخيارات الكبرى، ربما يتدخل ترامب لوقف الحرب مقابل صفقة تعطي (إسرائيل) ما تريده، وعلى رأس ذلك تشديد الحصار على إيران، وفرض مزيد من التطبيع وتعميم الاتفاقيات الابراهيمية التي تعطي لـ(إسرائيل) موقع القيادة السياسية والإستراتيجية والاقتصادية للمنطقة.
ترامب لن يكون رحيما بالفلسطينيين والعرب، ما لم يكونوا رحيمين بأنفسهم، بل سيتعامل بعقل بارد وبلا قلب وفق موازين القوى وخلفية الرأسمالي الذي يريد أن ينتزع أكثر ما يمكن من الربح، وللأسف المنطقة العربية مغرية بالتدخلات وحتى المغامرات العسكرية بسبب حالة الشرذمة السياسية وثقل المصالح الأجنبية فيها، وما لم يعمل العرب بالتعاون مع الجوار الاسلامي على تشكيل موقف موحد وفرض ميزان قوى جديد فلن يتوقف مسلسل الابتزاز وفرض الإذعان عليهم سواء بقوة السلاح أو بالمناورات والمبادرات السياسية.