فلسطين أون لاين

17 يوما من الإبادة ..

تقرير مخيم جباليا .. تطهيرٌ عرقي وتهجيرٌ قسري

...
مخيم جباليا .. تطهيرٌ عرقي وتهجيرٌ قسري
غزة/ يحيى اليعقوبي:

نسف مربعات سكنية، وقصف منازل على رؤوس ساكنيها، استهداف مراكز إيواء مكتظة بالنازحين أو إجبارهم على النزوح، جثث عشرات الشهداء منتشرة بين الطرقات، مجازر لا تتوقف، وطوابير من المعتقلين تسير تحت فوهات مدافع دبابات الاحتلال ورشاشاتها وصواريخ طائراتها الحربية والمسيّرة بهدف دفعها للنزوح القسري، مستشفيات محاصرة وعاجزة عن تقديم الخدمة، حياة بلا طعام أو مياه، هذه أشكال الإبادة الجماعية الوحشية التي يمارسها الاحتلال شمال القطاع بهدف التطهيري العرقي والتهجير القسري التي يحاول الاحتلال فرضها شمال القطاع.

ويدخل الاجتياح الإسرائيلي لمخيم جباليا ومناطق محافظات شمال القطاع عمومًا، يومه 17 على التوالي، إذ يفرض خلاله الاحتلال حصارًا خانقا من كل الاتجاهات ويواصل ارتكاب المجازر ومنع دخول المساعدات الإنسانية والمياه والطعام وقتل معالم الحياة وتدمير البنى التحتية بهدف إجبار الناس على ترك المخيم أو الموت جوعا أو تحت القصف.

وأمام القصف المتواصل بلغ عدد الشهداء نحو 640 مواطنا الكثير منهم لا زالت جثثهم في الشوارع مع صعوبات كبيرة في رعاية مئات المصابين داخل مستشفيات القطاع، مع استمرار قصف الاحتلال لأي معالم للحياة بهدف دفعهم للنزوح نحو جنوب القطاع.

ويعرف التطهير العرقي بأنه محاولة خلق حيز جغرافي متجانس عرقيا بإخلائه من مجموعة عرقية معينة باستخدام القوة المسلحة أو التخويف أو الترحيل القسري.

ممر الموت

يمثل اليوم أحد الأيام التي لن ينساها الشاب أحمد في حياته، بسبب قسوة وشدة القصف وإطلاق النار شمال القطاع، بعدما نزح لمنزل قريب من مستشفى العودة شمال مخيم جباليا، وبقي محاصرا عدة أيام.

"جيش الاحتلال كان في محطينا ويعلم أنه هناك سكان داخل البيت، إلا أنه استمر بإطلاق النار والقصف المدفعي، وحدث لدينا إصابات ظلت تنزف ولم نجد من يسعفها بسبب عدم توفر الإمكانيات وعدم مقدرة الطواقم الطبية على الوصول إلينا" يروي أحمد لموقع "فلسطين أون لاين" رحلة نزوحه القسري تحت القصف والموت.

بمجرد اقتراب صوت محركات الدبابات من منزلهم، اجتاحت الشاب مخاوف عديدة وقلق على مصير مجهول إن كان بالاعتقال أو القتل، عندما نادى جنود الاحتلال على المتواجدين بالمنطقة بالخروج بواسطة مكبرات الصوت، يكمل بمرارة: "فتشونا ووضعونا أمام الدبابة حتى وصلنا المستشفى الإندونيسي، وكانت النساء يسرنا خلفنا وهناك طلبوا منا بالتوجه لشارع صلاح الدين".

عن نداء الإخلاء، يصف تلك اللحظة: "الجميع يشعر بالخوف لأن هذا عدو لا يرحم وليس له أمان، قتل أطفال ونساء وشيوخ دون ذنب، واستباح الأرض والعرض ولم يترك أي شيء إلا وقام بارتكابه".

لم يتوقف القصف المدفعي على أحمد وكل من سار معه وهم يتوجهون نحو شارع صلاح الدين، بعد أن خضعوا للتفتيش لحظة المرور على حاجز عسكري عند مبنى الإدارة المدنية، وهناك يتم فحص كل النازحين، لافتا، إلى أن الاحتلال اعتقل الكثير من الشباب.

يرسم صورة للوضع في شمال القطاع قبل مغادرته، موضحا: "بشكل عام عشنا في رعب وقصف وموت، والشهداء في الطرقات ولا أحد يستطيع سحبهم، لم يتوقف القصف ولم تتوقف مسيّرات الاحتلال عن إطلاق الرصاص".

مياه شحيحة

مع انقطاع المياه، كان الحصول على كأس مياه للوضوء أو للشرب يتم بصعوبة بالغة ويعتقد أن كل سكان شمال القطاع لم يشربوا المياه الحلوة منذ 17 يوما، أما بالنسبة للطعام فكانت العائلات تصنع الخبز من الطحين منتهي الصلاحية بعد أن يتم تنقيبه من السوس ثم أكله.

بحكم سكن الشاب شرق معسكر جباليا، لم يتوقف القصف المدفعي عليهم، ولا الطيران الحربي الذي استمر في استهداف منازل المواطنين، فيما ركز الاحتلال نسف المربعات السكنية الواقعة غرب المعسكر، وكان صوتها "مرعبا، يكاد يخلع القلوب من مكانها كأنك في أهوال يوم القيامة" حسب تعبيراته.

رغم أن الاحتلال اجتاح شمال القطاع مرتين سابقتين، إلا أن أحمد وكل من سار معه في طريق النزوح القسري لم يستوعبوا حجم الدمار الحاصل خلال الاجتياح الحالي، يختصر الوصف بهذا التعبير "كأنك ماشي في صحرا فش فيها ناس".

قبل مغادرته شمال القطاع، دار في خلد أحمد سؤال لا زال يشغل بال سكان القطاع "هل سنعود أم لا؟" ويخشى أن تكون الموجة الأخيرة موجة تهجير قسري.

خروج قاتل

وأمام الاستهداف المباشر لكل شيء يتحرك بشكل مباشر بمخيم جباليا، أصبح الخروج لتأمين الغداء محفوفا بالموت، وهو ما نتج عنه استشهاد مواطنين جوعا داخل المنازل المحاصرة.

بوضوح تصل أصوات محركات الدبابات لمنزل العشرينية رانيا ابو حميدة وهي من سكان بلدة بيت لاهيا، ولا زالت ترفض هي وعائلتها كحال عشرات الآلاف من السكان شمال القطاع المغادرة أو النزوح سواء إلى مدينة غزة أو نحو جنوب القطاع.

تنقل أبو حميدة لـ "موقع فلسطين أون لاين" صورة للوضع داخل بيت لاهيا قائلة: "الحركة مشلولة بالكامل، أي جسم متحرك يظهر تطلق الطائرات عليه الرصاص مباشر وتبقى جثته مكانها لا يستطيع أحد إسعافه ووصل الحد الذي نطمئن فيه على الجيران بسماع صراخهم لحظة القصف".

وأمام شح الطعام تلجأ عائلة أبو حميدة لتقطيع أشجار أرضهم الزراعية للحصول على الحطب وعمل رقائق الخبز، مؤكدًا تشبثها بشمال القطاع: "‏صبرنا على الجوع عامًا كاملًا، مرت أشهر وأيام طويلة لم نذق فيها إلا المعلبات وبعض الخبز إذا توفر بشكل نادر، نمنا في الطرقات، في ممرات المشافي وبجانب الأشلاء، وخسرنا بيتنا وكل ما نملك، ومع ذلك، مستعدون أن نستقبل أعوام جديدة أصعب من هذا الحال الذي نحن به، لكن لن نترك شمال غزة".

بالتزامن مع ذلك يقوم الاحتلال بنسف مربعات سكنية كاملة يتردد صداها في شوارع الأحياء الفارغة، مبينةً "لحد الآن أهل البيوت تحت الركام ولا يستطيع أحد الاقتراب منهم لأنه سيتعرض للاستهداف المباشر، في بداية الأمر كنا نسمع صوت طلب المساعدة من بعضهم لكن الصوت اختفى".

مع حلول الظلام تضيء الانفجارات سماء بيت لاهيا ومعسكر جباليا المعتم، يصاحبه خوف شديد ينتاب الأطفال والنساء، تصف "كل شيء حولنا يوحي بعدم الأمان صوت الدبابات، رصاص القناص والطائرات الذي لا يتوقف نهائيا، وأحيانا أصوات الجنود الإسرائيليين ونباح كلابهم التي نخشى أن تقتحم علينا بيوتنا".

تصعيد للموت

ويصعد جيش الاحتلال قصفه على شمال القطاع، ولا زالت قواته تحاصر عشرات الآلاف من الفلسطينيين في منازلهم وتمنع وصول الطعام والمياه والدواء إليهم منذ 17 يوما، ويواصل عمليات نسف المنازل غرب المخيم.

وبحسب مصادر فلسطينية، دمرت قوات الاحتلال جميع المنازل والبنى التحتية في منطقة "بلوك 2" بمخيم جباليا شمالي قطاع غزة، ويحاصر مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" التي تؤوي نازحين بمحيط بركة أبو راشد في المخيم، ولا زالت تقصف محيط تلك المدارس.

وكانت الأونروا قد أعلنت أن الاحتلال أن رفض طلبا عاجلا تقدمت به الوكالة لإجلاء العالقين تحت الأنقاض، جراء الإبادة التي ترتكب شمال قطاع غزة.

وفي واحدة من أبشع جرائمه، ارتكب الاحتلال مجزرة باستهداف مربع سكني مأهول بالمواطنين بمشروع بيت لاهيا بحزام ناري أسفر عن استشهاد 73 مواطنا وأصيب العشرات.

وأكد المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي بغزة إسماعيل الثوابتة بأن مجزرة بيت لاهيا تندرج ضمن مخطط التهجير من محافظة شمال قطاع غزة الذي تنفذه قوات الاحتلال، لافتا إلى أن الاحتلال ارتكب أكثر من 3 آلاف مجزرة راح ضحيتها أكثر من 17 ألف طفل و11 ألف امرأة منذ بداية عدوانه على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

فيما أكد رئيس الهيئة الدولية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني "حشد" د. صلاح عبد العاطي بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي يتعمد محاصرة شمال القطاع بالذات مراكز الايواء في شمال غزة واستهدافها واقتحامها وحرقها وتدميرها واجبار السكان النازحين علي اخلاءها قسرا تحت تهديد السلاح، والنزوح الي جنوب القطاع في صناعة نكبة جديدة وافراغ لشمال غزة من سكانها .

وعد عبد العاطي لموقع "فلسطين أون لاين" استهداف الاحتلال لمستشفيات القطاع بالحرق والتدمير والقصف والمحاصرة واطلاق النار عليها بهدف اخرجها عن الخدمة ووقف عملها في استكمال لتدمير منهجي لكل مقومات الحياة بما فيها ابار المياه والاراضي الزراعية والمحلات التجارية في مفاقمة للكارثة الإنسانية التي باتت تفتك وتهدد اروح المرضي والجرحى وكبار السن والنساء والأطفال.

ودان استمرار العجز والتقاعس الدولي عن وقف جرائم الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين فإنها تعيد التأكيد على مسؤولية المجتمع الدولي والدول الثالثة والمنظمات الدولية علي التدخل الجبري والانساني لحماية قواعد القانون الدولي الإنساني والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وانفاذ تدابير محكمة العدل الدولية.