فلسطين أون لاين

تقرير "القسام" و"الحسيني" و"السنوار" .. قيادات نالت الشهادة في ميدان القتال

...
"القسام" و"الحسيني" و"السنوار" .. قيادات نالت الشهادة في ميدان القتال
غزة/ محمد عيد:

أعادت استشهاد القائد الفلسطيني الكبير يحيى السنوار في ميدان القتال مع جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى الأذهان محطات فلسطينية تاريخية.

وحظيت حكاية قائد "طوفان الأقصى" وخاتمته في ميدان المعركة إعجاب وفخر الفلسطينيين وغالبية العرب والمسلمين وأحرار العالم المناصرين للقضية ومقاومتها والمناهضين للاحتلال وجرائمه.

ووفقا لإفادات جنود الاحتلال فإن القائد المشتبك أطلق الرصاص والقنابل المتفجرة صوب قوة مهاجمة لأحد المباني السكنية في حي السلطان غرب مدينة رفح.

وأسفر الاشتباك وقتها عن إصابة جنديإسرائيلي بجراح خطيرة قبل هروب تلك القوة من المكان وإعادة توجيه قذائف الدبابة العسكرية وصاروخ من طائرة حربية صوب المكان.

وأظهر مقطع فيديو سربه جنود الاحتلال من طائرة مسيرة اقتحمت المكان عقب تدميره، والتقطت صورا للرجل الذي يبلغ (61 عاما)مرتديا قناعا ويحاول صد الطائرة المسيّرة باستخدام عصا في يده وذلك بعد إصابته بجرح قاتل.

وكشف الفيديو ارتداء المطارد للأجهزة الإسرائيلية والأمريكية منذ بداية معركة (طوفان الأقصى) جعبته العسكرية ومحتضنا لسلاحه من نوع "كلاشينكوف" وهو مسجى بدمائه بين الركام.

وعقب ذلك، تداول فلسطينيون كلمات مصورة للقائد الشهيد الذي قضى 22 عامًا في الأسر، وجاء فيها إنه يفضل الشهادة بدلاً من الموت بنوبة قلبية أو حادث سير.

وتحدث سابقا في تلك الخطابات: "أكبر هدية ممكن يهديها العدو لي أن يغتالني .. وأن أمضي إلى الله سبحانه وتعالى شهيداً على يده (الاحتلال)".

والسنوار الذي تحرر من سجون الاحتلال أكتوبر/ تشرين أول 2011م، شغل عضوا للمكتب السياسي لحركة حماس ثم رئيسا لها في قطاع غزة لولايتين 2017 – 2023م.

وأعلنت حماس في 6 أغسطس/ آب الماضي اختيار القائد السنوار رئيسا لمكتبها السياسي خلفا للشهيد إسماعيل هنية الذي اغتالته (إسرائيل) في العاصمة الإيرانية طهران في 31 يوليو/تموز من العام الجاري.

وبحسب مراقبون فإن القائد الفلسطيني الكبير والذي قاتل حتى آخر رمق، تحول لـ"أسطورة عالمية".

معركة القسطل

وبالعودة إلى الوراء، فإن التاريخ الفلسطيني يزخر بقادة عظماء قاتلوا حتى الرمق الأخير دون تنازل أو تفريط عن ذرة تراب من فلسطين أو ترك السلاح مقابل وهم السلام.

وضرب القائد الفلسطيني الكبير عبد القادر الحسيني خلال معركة القسطل غير المتكافئة مثلاً رائعاً في التضحية والحماسة كما ضربت قصته دليل آخرا للخذلان العربي لفلسطين ومقاوميها.

وبحسب مؤرخون فلسطينيون فإن القائد الحسيني غادر مدينة القدس إلى دمشق في أواخر مارس/ آذار عام 1948 للاجتماع بقادة اللجنة العسكرية لفلسطين التابعة لجامعة الدول العربية، أملاً في الحصول على السلاح ليشدّ من عزم المقاومين على الاستمرار والاستبسال في القتال.

فردت اللجنة آنذاك: "دعهم يحتلون القدس وحيفا ويافا، فإنا سنسترجعها حالا"، و"لماذا كل هذا الاهتمام بالقدس يا عبد القادر؟ إنها لا تستحقه".

وأغضب الرد العربي المتخاذل قائد (جيش الجهاد المقدس)، حتى كتب رسالته المشهورة للجامعة العربية بالقول "إني أحمّلكم المسؤولية بعد أن تركتم جنودي في أوج انتصاراتهم بلا عونٍ أو سلاح".

وذهب الحسيني إلى المعركة غير ملتفت لحسابات النصر أو الهزيمة، مخطوفا بمصير القدس لا مصيره الشخصي.

وقال لرفاقه وهو عائد من دمشق إلى القدس "أما أنا فإني ذاهب إلى القسطل لأموت هناك، قبل أن أرى ثمرة التقصير والتواطؤ، وسأعود إلى القسطل وسأسترجعها من اليهود مهما كلف الثمن، وسأموت هناك..".

وبالفعل، وصل القائد الحسيني في 6 أبريل/نيسان مدينة القدس وانضم إلى جنوده لاسترداد القرية الواقعة غربي المدينة بعدما احتلتها قوات "البلماح الصهيونية".

واستشهد قائد المعركة آنذاك داخل ميدان المعركة في الثامن من ذات الشهر ووجد جثمانه قرب بيت من بيوت القرية فنقل في اليوم التالي إلى القدس، ودفن بجانب ضريح والده موسى الحسيني في باب الحديد، وقد استشهد وهو في الأربعين من عمره.

وفي اليوم التالي نشرت صحيفة "فلسطين" في صفحتها الرئيسية خبر استشهاده تحت عنوان "أقدس ختام لأنصع حياة باستشهاد عبد القادر الحسيني قائد الجهاد العام".

وفي كتابه "فلسطين الأم وابنها البار عبد القادر الحسيني" يقول عيسى خليل محسن "لم تشهد مدينة القدس في تاريخها الحافل يوما كيوم جنازة خير الأبطال وعنوان التفاني ورمز التضحية، ولم يعم فلسطين الحزن كما عمها في ذلك اليوم الأليم".

المجاهد السوري

وعلى غرار سابقيه، كرس المجاهد السوري عز الدين القسام جهده في فلسطين وسوريا ضدالاحتلال البريطاني كعدو أول لفلسطين يساهم في زيادة النفوذ الصهيوني على أرضها.

تميز نهجه الإصلاحي الذي قام على الانتشار بين العمال والفلاحين والتوعية برفض الظلم الاجتماعي والتعريف بمفهوم الأمة الواحدة.

في مستهل عام 1921 وصل عز الدين القسام إلى أرض فلسطين بعد قتال طويل للاحتلال الفرنسي الذي أصدر آنذاك حكما بالإعدام ضده.

ومثلما أطلق الشرارة الأولى لمقاومة الاحتلال الفرنسي في سوريا، عزم منذ وصوله أرض فلسطين على مقاومة الاحتلال الإنجليزي دون أن يعلن ذلك صريحا في بداياتها.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 1935 ألقى آخر خطبه في جامع الاستقلال بمدينة حيفا.

وجاء فيه: "أيها الناس، لقد علمتكم أمور دينكم حتى صار كل واحد منكم عالما بها، وعلمتكم أمور وطنكم حتى وجب عليكم الجهاد، ألا هل بلغت اللهم فاشهد، فإلى الجهاد أيها المسلمون، إلى الجهاد أيها المسلمون". ثم اختفى فلم يشهده أحد بعدها في حيفا.

توجه عز الدين القسام إلى جنين، وكانت خطته التخفي والاستمرار في العمليات مع عصبته، ولكن خطأ لأحد الأفراد أدى إلى مقتل جندي بريطاني بقرية زرعين في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1935، فأخذ القسام وعصبته يتنقلون بين القرى.

وأخذ الاحتلال يشدد الحصار في مكان ضيق، ونشرت قواته جواسيسها في كل مكان، كما نشرت جنودها في ثوب المدنيين.

وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1935 عرفت قوات الاحتلال البريطاني مكان عز الدين القسام، فهاجمته بعشرات الجنود بينما كان مع 10 من أنصاره، فرفض الاستسلام لهم وواجههم.

وبعد قتال من الصباح حتى العصر داخل قرية يعبد الواقعة بين مدينتي جنين ونابلس، استشهد الشيخ القسام برصاصة في جبينه ومعه 3 من عصبته وأصيب اثنان منهم وأسر أربعة.

وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني 1935 خرج الآلاف في جنازة كبيرة لتشييع عز الدين القسام ورفاقه الثلاثة، وأطلقت الدعوات من العامة والخاصة إلى متابعة سيرهم والنسج على منوالهم.

وبقيت هذه الدعوات تتوالى حتى اندلعت الثورة الفلسطينية الكبرى في أبريل/نيسان 1936، واستمرت 4 سنوات، ومثلت انتفاضة كبيرة ضد مخطط "وعد بلفور" الذي تحول إلى انتداب بريطاني ومنح وطن قومي لليهود على أرض فلسطين.

وعقب تأسيس حركة حماس، أطلقت اسم "عز الدين القسام" على جناحها العسكري الذي لا يزال يقاتل الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه حتى اللحظة.