تحت أشعَّة الشَّمس الحارقة، يتَّكئ عزيز خضر، السِّتينيَّ الَّذي يحمل آلامه وحسراته، على نجله شادي، ليشقّ طريقه بصعوبة بين أكوام الرَّمل والرُّكام المتناثر في مجمَّع الشِّفاء الطِّبِّيِّ، وصولاً إلى قسم الكلى الاصطناعيَّة.
وكَّل خطوةً يخطُّوها السِّتينيَّ خضر، تكاد تكون رحلة شاقَّة، حيث يتوقَّف ليلتقط أنفاسه بصعوبة، وعلامات الحزن والقهر تنعكس على وجهه.
يتلفَّت خضر، يمينًا ويسارًا، مشاهدًا الدَّمار الَّذي خلَّفه الجيش الإسرائيليُّ خلال اقتحامين متتاليين لمجمَّع الشِّفاء الطِّبِّيِّ، حيث دمَّر في المرَّة الأولى عددًا من أبنيته، وفي الثَّانية دمَّره بشكل كلِّيّ، وجعله غير صالح لاستقبال المرضى.
مجازر إسرائيلية
ويحمد خضر، الله عز وجل، أنه وعائلته، تمكنوا من الخروج من منزلهم في مخيم جباليا، شمالي قطاع غزة، بسلام، بعد أن دمرت صواريخ الاحتلال منزلهم المكون من ست طبقات، ما أسفر عن استشهاد شقيقه، و12 فردًا من عائلته.
ويقول "شادي" الذي يرافق والده، نأتي مرتين في الأسبوع إلى ما يسميها "رحلة العذاب" لإجراء عملية الغسيل الكلوي.
ويضيف خضر: كان والدي يتلقى العلاج ثلاث مرات أسبوعيًا، في مستشفى كمال عدوان شمالي القطاع، لكن الاحتلال حاصر المستشفى ودمره، ونزحنا من هناك بفعل الحرب والمجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق شعبنا، ما زاد من معاناته.
ويرى أن تقليص جلسات الغسيل الكلوي إلى مرتين بالأسبوع، ولثلاث ساعات، بدلًا من ثلاث مرات، وبواقع 4 ساعات للجلسة الواحدة، بسبب نقص الوقود والأدوية، وتعطل العديد من ماكينات الغسيل بعد أن أحرقها جيش الاحتلال، ودمر جزاًء من القسم، ما اضطر والدي للتكيف مع الوضع الجديد.
ويستقبل قسم الكلى الاصطناعية في مجمع الشفاء الطبي، 67 مريضاً أسبوعيًّا، بواقع 25 حالة يوميًّا.
ويعد قسم الكلى الاصطناعية، هو الوحيد في مدينة غزة، وشمالي القطاع، الذي يعمل بعد تدمير جيش الاحتلال للمستشفيات الأخرى، وأجبر العديد من سكان الشمال والمرضى على النزوح إلى غزة، بفعل المجازر التي ترتكب هناك.
وبعد محاولات عدة، تمكنت وزارة الصحة في غزة، بالتعاون مع المؤسسات المعنية من تشغيل جزء من قسم الغسيل الكلوي، بعد أن خرجت المنشآت الصحية في شمالي القطاع عن الخدمة، بسبب توغل الجيش الإسرائيلي هناك، وتدمير جميع المرافق الصحية.
وأردف المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه: "نحن هنا لنساعد المرضى، لكننا نشعر بالقلق من عدم قدرتنا على الاستمرار، لشح الوقود، وخشيتنا من تعطل أجهزة الغسيل الكلوي، وعدم القدرة على صيانتها، بسبب الأوضاع الراهنة.
تمثل قصة الستيني خضر، صورة حية لمعاناة الفلسطينيين في قطاع غزة، خاصة المرضى الذين يصارعون من أجل البقاء على قيد الحياة في هذه الظروف القاسية.