قبل الحديث عن خطيئة الصليب الأحمر الدولي، وهو يتسلم من الجيش "الإسرائيلي" جثامين 84 إنساناً مجهول الهوية، يقال: إنها تعود لشهداء من قطاع غزة، قبل التفصيل في هذه القضية الحساسة، لا بد من التذكير بأن العمل وسط المخاطر، والتدخل في قلب الحروب، وتقديم المساعدات الإنسانية لكل من حاصرته الحروب، وتقطعت به السبل في غابة الصواريخ والقذائف، هذه هي مهمة الصليب الأحمر الدولي، إنها المهمة الإنسانية التي لم تغب عن منظمة الصليب الأحمر الدولي، وهي تعمل في ساحات غزة والضفة الغربية طوال 54 سنة من الاحتلال الإسرائيلي.
لقد حضر الصليب الأحمر الدولي في المعتقلات والسجون الإسرائيلية، وقدم المساعدة والمتابعة، وكان حاضراً في انتفاضة الحجارة 1987، ومد يد العون للمحتاج، وكان حاضراً في انتفاضة الأقصى 2000، وهب لنجدة الملهوف، ولم تتخلف منظمة الصليب الأحمر عن مهماتها ودورها الإنساني طوال فترة العدوان الإسرائيلي على أهالي غزة والضفة الغربية لسنوات طوال، حتى جاءت معركة طوفان الأقصى، وراح الناس في غزة يستغيثون بالصليب الأحمر، فلا يجدون المغيث، وراح الأطفال يصرخون، فلا يجدون من يهدد أحزانهم، وراحت نساء غزة تولول من هول الفاجعة، فلا ترى للصليب الأحمر يداً تمسح الدمعة، ولا رغيف خبر يطفئ لظى الجوع.
لقد غاب الصليب الأحمر الدولي عن مجازر الصهاينة ضد أهالي قطاع غزة، واختفى حتى عن زيارة الأسرى الفلسطينيين في معتقل "سديه تيمان" وابتعد عن المراقبة والتوثيق للجرائم بحق الأطفال والعجائز، وغاب عن وسائل الإعلام والنشر، ولم يفضح جرائم المحتلين، لقد أغلق فاه.
لم يصرخ الصليب الأحمر الدولي أمام العالم عن أحوال غزة، وعن حاجة أهلها إلى الماء والغذاء والدواء، وحاجتهم إلى الأمن والسلامة في ظل عدوان إسرائيلي متواصل، شد انتباه العالم، وتمت إدانته من محكمة الجنيات الدولية، ومن محكمة العدل الدولية، بل وصل الأمر بحرب الإبادة الإسرائيلية أن استفزت الشعب الأمريكي نفسه والشعوب الأوروبية، حيث ضجت المدن والعواصم بمظاهرات حاشدة ضد العدوان الإسرائيلي، لقد حدث كل ذلك، دون أن يحرك مندوبو الصليب الأحمر في غزة ساكناً.
ومما زاد الطين بله، ما قامت به منظمة الصليب الأحمر الدولي من تسلم جثامين 84 شهيداً من غزة، اختطفهم الجيش الإسرائيلي، قبل أن يذبحهم، ويترك جثثهم تحت الشمس تتعفن، ثم تحلل، قبل أن يقوم الجيش الإسرائيلي بتسليمهم في شاحنات لمنظمة الصليب الأحمر، لتعيدهم إلى قطاع غزة، دون معالم، ودون معرفة بأسمائهم.
فلماذا تسلم الصليب الأحمر من الصهاينة 84 جثماناً لشهداء مجهولي الهوية؟
لماذا تقبل منظمة دولية إنسانية على مكانتها أن تشارك في هذه المهانة للإنسان، وهي التي عجزت عن زيارتهم في السجون المعتقلات، وهم أحياء تحت التعذيب ؟
بل السؤال الأهم: لماذا تتسلم وزارة الصحة الفلسطينية من الصليب الأحمر الدولي جثامين بشرٍ تحللت، ولا يمكن التعرف على أصحابها؟
لماذا تساعدون العدو في التخلص من جرائمه، وتتسلمون منه جثامين بشر مجهولين، لا يعرف حقيقة هذه الجثامين، وهل تعود لفلسطينيين تمت تصفيتهم على يد جيش العدو الإسرائيلي؟ أم هي جثامين مرتزقة صهاينة، قتلوا على يد رجال غزة، وهم يمارسون العدوان على أهل غزة؟
ألم يكن الأجدر بوزارة الصحة الفلسطينية أن تترك الجثامين في ساحة العدو، وترفض تسلمها، وتخلق من الحدث قضية إنسانية، وهي تفتح بوابات الإعلام أمام العالم ليتعرف على إرهاب دولة تدعي أنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط؟