تستمر عجلة انتهاك الحريات العامة في الضفة الغربية، عبر بوابة الاعتقالات والاستدعاءات السياسية والملاحقة وفقا للرأي والتعبير، بما ترسمه المشاهد الحية اليومية للطلبة الجامعيين المحسوبين على التيار الإسلامي، والأسرى المحررين من سجون الاحتلال الإسرائيلي، والمواطنين والنشطاء من أصحاب الرأي المخالف لسياسة السلطة.
آخر ما أقدمت عليه الأجهزة الأمنية من اعتقال بعد استدعاء جرى بحق الناشط في مجال حقوق الإنسان منتصر كراجة (28 عامًا) من قرية صفَا غرب مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، والناشط الشبابي حمزة زبيدات، فيما استدعت عددًا من الطلبة للمقابلة ودون أي مبرر يذكر وفقا لجهات حقوقية.
وفي السياق، قال القيادي في حركة حماس بمدينة جنين، نزيه أبو عون، إن الاعتقالات والاستدعاءات السياسية، بعد توقيع ملف المصالحة في القاهرة، زادت وتيرتها وفقا لمعطيات وشهادات من تنفذ بحقهم هذه السياسة المعلنة.
لا تغيير
وأضاف أبو عون لـ"فلسطين"، أن مواطني الضفة الغربية لم يلمسوا أي تغيير يذكر بعد توقيع اتفاق القاهرة، وذلك باستمرار السياسة التي تسلكها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة بشأن الحريات العامة.
ونبه إلى أن الأجهزة الأمنية لم تغير سياساتها على الأرض بعد أن حُلت اللجنة الإدارية من قبل حركة حماس ووصول الحكومة إلى قطاع غزة، أو حتى انتهاء الحوارات الثنائية ما بين فتح وحماس والاتفاق على تمكين الحكومة من العمل في القطاع.
وذكر أن الاستدعاءات والاعتقالات تطال كل من يحسب بعيدا عن حركة فتح، أو من أصحاب الرأي والموقف والنشاط، مؤكدًا أن هذه الاعتقالات كما المعول الهدام لآمال تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام في نفوس المواطنين.
ولفت أبو عون النظر إلى أن حديثا متواترا في نفوس المواطنين وفقا لهذه الاعتقالات والاستدعاءات يشير إلى عدم اقتناع مسؤولي الأجهزة الأمنية في المصالحة، ورغبتهم في عدم تغيير الأوضاع وبقائها على ما هي عليه.
وكانت الجبهة الشعبية طالبت أول من أمس السلطةَ وأجهزتَها الأمنية بوقف هجمة الاعتقالات السياسية المسعورة بحق الناشطين السياسيين في الضفة، وأكدت أن استمرار هذا النهج "تخريب لكل جهود الوحدة، ويضع علامة استفهام حول جدية السلطة في الاستجابة لنداء المصالحة والوحدة".
متغير سياسي
بدوره، أكد مدير مؤسسة الحق لحقوق الإنسان شعوان جبارين، أن استمرار نهج الاعتقالات والاستدعاءات السياسية خيب آمال المتغير السياسي الإيجابي الحاصل في ملف المصالحة الوطنية.
وشدد جبارين لـ"فلسطين" على أن العمل الأمني السائد في الضفة لن يتغير إلا عبر العمل على فصل السلطات، وارفاقها بالإرادة السياسية الملتزمة بإيجاد آلية مساءلة ومحاسبة لأي جهة تخرق القانون.
ونبه إلى أن غياب المجلس التشريعي، المكلف بالرقابة أفقد إمكانية تنفيذ القانون واحترامه، وعزز من سطوة الأجهزة الأمنية.
وأوضح جبارين أن غياب الرقابة أوجد ثقافة وقناعة دائمة لدى الأجهزة الأمنية بممارسة سياسات مستمرة تجاه الجمهور، وأن تغيير هذا الأمر لابد وأن يجري عبر تغيير بنيوي كامل لهذه الأجهزة الأمنية.
وأشار إلى أن الاعتقالات أو الاستدعاءات لا ترفضها أي جهة حقوقية، إن كانت ملتزمة وتتم وفقا للقانون، ولديها من الأسباب المستوجبة لهذا الأمر، غير أن ما يجري غالبا ما يتم على قاعدة الرأي السياسي أو الانتقاد أو نشاط معين.
وذكر أن الاعتقالات تعبر عن غياب الإرادة السياسية لإجراء تغيير جذري يؤدي إلى العمل تحت لواء القانون، والتوجه نحو طي مرحلة الماضي واستقبال الأيام القادمة بصفحة جديدة، بعيدا عن أشكال الظلم والاعتقال التعسفي، وسوء استخدام السلطة.
ولفت جبارين إلى أن المؤسسات الحقوقية تتابع ملف الحريات في الضفة وتناقشه مع الجهات المسؤولة، وقد نجحت في بعض الأحيان بتحقيق نتائج إيجابية، وأحيانا أخرى لم تتمكن فيها من تحقيق أي شيء يذكر.

