"كانت ليلة دامية أصبحت حركة النزوح للشرق بعدما كانت نحو الغرب. وأصبح النازحون تائهين وفي حالة ذهول لا ندري أين نذهب!" وقفت إسراء عزام عاجزة هذه المرة عن اتخاذ قرار النزوح من مركز الإيواء وسط مدينة غزة، فلم تستطع هي وعائلتها الذهاب نحو شرق المحافظة التي تلقت أوامر إخلاء خاصة حيي الدرج والتفاح ولا غرب المحافظة التي حاصر فيها الاحتلال آلاف تحديدا لمن نزح لمنطقة الصناعة والجامعات.
أمام حالة التيح والحيرة وعدم وجود مكان آمن في غزة، بقيت عزام في مركز الإيواء بعدما كانت تنوي التوجه نحو حي "تل الهوا" وحال عدم توفر وسائل نقل من اتخاذ قرار النزوح.
نساء كبار في السن يتكئن على أولادهن وعلى عكاكيز وعربات متحركة، نساء حوامل يحملن على كاهلهن هما آخرا غير الذي تحمله بطونهن، مصابون يتحاملون على جراحهم ويضمدونها وهم ينزحون، الناس اصطفت في طوابير على أرصفة الشوارع، هكذا خرجت أفواج النازحين من المناطق الشرقية لمدينة غزة نحو غرب المحافظة.
وتغيرت حركة النزوح التي كانت مساء الأمس تتجه من حيي الدرج والتفاح اللذين تلقيا أوامر إخلاء، باتجاه مناطق الشرق أو شمال مدينة غزة مع الدخول المباغت لآليات الاحتلال لجنوب غرب المدينة، علما أن آليات الاحتلال لم تتقدم نحو التفاح والدرج، في وقت خرجت جميع مستشفيات المدينة عن الخدمة بعد تهديدات الاحتلال، والاعتماد على مستشفيات شمال القطاع.
رحلة نزوح جديدة
في أقل من أربع وعشرين ساعة نزح الصحفي محمد قريقع مرتين، فتوجه من شرق غزة نحو غربها، جلس هو وآلاف النازحين على عتبات المنازل والمحال التجارية حتى جاء الليل بسواده ليناموا عند بوابات المدارس، لكنهم وجدوا أنفسهم مرة أخرى أمام رحلة نزوح جديدة عند الثانية فجرا بعد أن وصل جيش الاحتلال إلى منطقة الصناعة وتأثر محيطها بناره وشظايا صواريخه.
يقول قريقع لموقع "فلسطين أون لاين": "نزحت فجرا مع الناس، وأنا نائم، وصلت شارع الجلاء وعرفت أنني فيه عند العاشرة صباحا، كل ما أريده أنا أعانق ساعة نوم هادئة خالية من ضجيج الصواريخ ومرارة النزوح".
أما إسراء عزام التي نزحت منذ بداية الحرب في إحدى مراكز الإيواء بالقرب من المستشفى المعمداني، فتراجعت في آخر لحظة عن النزوح لمنطقة تل الهواء، "لم نجد وسيلة نقل ووالدتي لا تستطيع السير لمسافات طويلة، كما أننا تعبنا من النزوح المتكرر، فإذا بالاحتلال يباغتنا ويتجه إلى المناطق الغربية ويجتاح تل الهوا الذي كنا سننزح إليه" تروي لـ "فلسطين أون لاين".
وتصف "الوضع في غزة سيء بشكل لا يصف، فهناك قصف للطائرات الحربية والقذائف وطائرات "كواد كابتر".
لم تستطع عزام وكل الأهالي في مدينة غزة النوم من شدة القصف وصوت القذائف والأحزمة النارية المتتالية وتحليق الطائرات المسيّرة (الكواد كابتر) بكثافة وطائرات بدون طيار، فسادت حالة من الخوف والرعب، "غفونا للحظة وأستيقظنا على أصوات النازحين من المناطق الغربية بعد أن باغتتهم دبابات الاحتلال".
ويتزامن الهجوم الإسرائيلي على جنوب غرب مدينة غزة، مع اجتياح حي الشجاعية، وتفاقمت أوضاع النازحين مع اشتداد المجاعة مع انتشار الجوع والفقر والتي يزيدها حالة المعاناة والبؤس على كاهل النازحين أجسامهم المتهالكة من القصف والخوف، "فأي صبر وأي عذاب نتحمله لكي نصمد أكثر من ذلك؟" تتساءل عزام بمرارة.
وأفادت مصادر لموقع "فلسطين أون لاين" أن أليات جيش الاحتلال تتمركز خلف الجامعات ومحيط مقر وزارة الأسرى بحي تل الهوا بمدينة غزة، فيما تطلق المروحيات ومسيرات "كواد كابتر" نيرانها في الحي، مما أدى لحصار عدد من العائلات داخل جنوب غرب المدينة بسبب إطلاق القذائف والنيران.
وجهة جديدة للنازحين
ومع ساعات صبيحة اليوم الاثنين تحول حي الشيخ رضوان شمال المدينة، لوجهة للنازحين الذين افترشوا منازل المواطنين وجلسوا أمام بوابات المدارس.
يروي ماهر حسونة أحد سكان الحي لموقع "فلسطين أون لاين" عن المشهد حوله "استيقظنا فوجدنا الناس تملأ الشوارع غالبيتهم من أحياء التفاح والدرج والزيتون، بعد أن غادرت منازلهم بلا طعام، وتفاجأنا بإغلاق المخابز، بالتالي شُرد الناس بجوعهم ومعاناتهم".
"الاحتلال أضاف هم فوق هم الناس" بهذا يصف حسونة حال النازحين المشردين بين شوارع شمال مدينة غزة، أضيف إليهم آلاف النازحين القادمين من أحياء الرمال وتل الهوا والصبرة معلنين عن رفضهم الاستجابة لأوامر الاحتلال بالنزوح نحو دير البلح، ومؤكدين تمسكهم بمدينة غزة وإفشال مخطط الاحتلال مهما كان الثمن.
فيما يصف الصحفي محمود العامودي لموقع "فلسطين أون لاين" مشاهد النزوح بالمؤلمة، قائلا: "إن الناس نزحت وهناك من لم يستطع اصطحاب طعام له والبعض خرجوا فقط بأرواحهم وتركوا كل شيء خلفهم".
وتساءل بعد النزوح من حيي التفاح والدرج وإغلاق المخابز فيهما "ماذا سيفعل الناس ولم يعد الخبز متوفرا ؟"، لافتا، إلى أن عشرات الآلاف من النازحين لا يعرفون أين ينزحون بسبب صعوبة الأوضاع، التي تشتد في المدينة مع وجود مجاعة وفقر.
وحتى ساعات متأخرة من المساء عايش العامودي الذي يسكن في شمال المدينة أوضاع النازحين، ويقول: "الناس كانت على الأرصفة من أطفال ونساء وكبار سن في أوضاع صعبة وقاسية على القلب، ولا تعرف أين تتجه!؟".