فلسطين أون لاين

​واشنطن تمول 22% من ميزانية المنظمة

الانسحاب الأمريكي من "اليونسكو".. دفاع عن حليفتها (إسرائيل)

...
غزة - يحيى اليعقوبي

جاء الانسحاب الأمريكي من منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) إعلانا وتتويجا لانحياز كامل لدولة الاحتلال لطالما عبرت عنه واشنطن، برفض أي قرارات دولية تدين الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.

ورغم أن قرار الانسحاب قد يكون رسالة للمنظمات الدولية الأخرى بضرورة أن تتوافق سياساتها مع سياسات الإدارة الأمريكية وحلفائها، إلا أنه قد تكون له مفاعيل إيجابية، وفق خبراء تحدثوا لصحيفة "فلسطين" باعتبار أن الضغوط الأمريكية في كثير من القضايا ستختفي من "اليونسكو"، وقد تزداد الأصوات المؤيدة لقضية فلسطين على المستويات الثقافية والتعليمية، في حال تعويض غياب التمويل الأمريكي عبر دول أخرى.

وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، الخميس الماضي، انسحابها من المنظمة الأممية، بزعم معاداتها لـ(إسرائيل)، ولأسباب اقتصادية.

رسالة تهديد

أستاذ العلوم السياسية بجامعة بيرزيت جهاد حرب، يرى أن الولايات المتحدة بقرارها تعلن انحيازها للاحتلال، حتى في قضايا لا تمس الجانب السياسي، موضحاً أن واشنطن من أكبر الداعمين والممولين للأمم المتحدة بما فيها "اليونسكو"، وانسحابها يعني انهيارا للإيرادات وتمويل المؤسسة بشكل كبير.

ويأتي انسحاب الولايات المتحدة، أكبر ممول لليونسكو، بعد سنوات من وقف دعمها المالي للمنظمة، بعد قبول فلسطين كعضو في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، إلا لأن واشنطن بقيت عضوًا في المجلس التنفيذي لليونسكو الذي يضم 58 عضوًا.

وأحدث وقف التمويل أزمة مالية كبيرة داخل اليونسكو التي شهدت جراء هذه الخطوة اقتطاعا بنسبة 22% من ميزانيتها التي انخفضت من 653 مليون دولار إلى 507 ملايين.

وتوقع حرب أن يؤثر القرار على بنية عمل "اليونسكو" الثقافية والعلمية المستقبلية، وينعكس مباشرة على المشاريع التطويرية للتراث العالمي.

وعدّ الانسحاب الأمريكي "رسالة واضحة" أن المنظمات الدولية عليها أن تتفق مع سياسة الإدارة الأمريكية وحلفائها بما فيهم دولة الاحتلال، وهو تهديد صريح بانسحاب واشطن من هذه المنظمات حال لم تكن قراراتها في صالح (إسرائيل).

ورأى حرب، أن الانسحاب لا يؤثر على القضية الفلسطينية بقدر تأثيره على المنظمة ذاتها، ملفتاً إلى أن واشنطن ودولة الاحتلال "ستكونان الخاسرتين الكبريين من ذلك".

وربط حرب، بين الانسحاب الأمريكي من "اليونسكو" وقرارات المنظمة الأخيرة ذات الصلة بالمسجد الأقصى، مؤكداً أن قرارات "اليونسكو" ذات بعد أخلاقي ومعنوي للحفاظ على التراث خاصة إذا ما استخدمت في الصراع السياسي، كما في قضية المسجدين الأقصى والإبراهيمي.

وتبنت "اليونسكو" في 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2016، خلال اجتماع في العاصمة الفرنسية باري، قرارا ينفي وجود ارتباط ديني لليهود بـالمسجد الأقصى وحائط البراق، ويعتبرهما تراثا إسلاميا خالصا، فيما أعلنت في 7 تموز/ يوليو 2017 أن "الإبراهيمي" موقع تراثي فلسطيني.

إضعاف المنظمة

في الأثناء، اتفق الخبير بالشأن الإقليمي والدولي د. طلال عتريسي، مع ما أشار إليه حرب من ارتباط الانسحاب الأمريكي بقرارات المنظمة المؤيدة لفلسطين "وهذا ما لا يحتمله البيت الأبيض بوصفه المدافع الأول عن (إسرائيل)، والذي يريد أن يفرض هيمنته على قرارات اليونسكو"، مشيراً إلى أن "التذرع بالأعباء المالية ليس موقفا حقيقيا".

ولفت عتريسي، إلى أن انسحاب أمريكا "لن يعطل دور المنظمة، طالما بقيت الدول الأخرى ذات التأثير والنفوذ"، مؤكداً أن واشنطن تهدف إلى إضعاف "اليونسكو" باعتبارها ممولا رئيسيا فيها.

واستدرك حديثه: "لكن تستطيع دول أخرى تعويض التمويل للمحافظة على دور المنظمة الدولي، وهذا يحتاج إلى مساهمة ووعي دولي يحول دون إضعاف المنظمة لتوقف التمويل الأمريكي".

وتمول الولايات المتحدة 22٪ من الميزانية العادية للأمم المتحدة، و 28٪ من عمليات حفظ السلام.

وبشأن مدى استفادة سلطات الاحتلال من الانسحاب الأمريكي، بين عتريسي أن (إسرائيل) ستعتبر قرارات "اليونسكو" لا تعبر عن إجماع دولي.

وشدد على أهمية قرارات اليونسكو الداعمة لفلسطين والمقرة بمشروعية وتاريخية القضية وحق الفلسطينيين بالمسجد الأقصى، في ظل محاولة الاحتلال السيطرة عليه، وهو أمر لا يمكن أن تتساهل معه أمريكا، وتعرف أهمية قرارات المنظمة بتأكيد مشروعية الحق الفلسطيني ورفض الادعاءات الإسرائيلية.

والانسحاب الأمريكي، والكلام لعتريسي، يتنافى مع مبدأ التعامل الديمقراطي والودي بين دول العالم في أي منظمة دولية، بمعنى أنه هناك حقا بأن تختلف الدول حول قرار معين وأن يتخذ القرار بالتصويت فينجح أو يسقط، مبينا أن أمريكا لا تحتمل بأن تعبر دولة أخرى عن رأيها، وتعتبر أن القرار يجب أن يعود إليها كدولة عظمى، وهذا لا علاقة له بالديمقراطية التي تتحدث عنها أمريكا.

ومن المقرر أن يصبح الانسحاب الأمريكي ساريا بداية من ديسمبر/ كانون الأول 2018، وحتى ذلك الوقت ستظل عضوية واشنطن في المنظمة الدولية مستمرة.

وهذه ليست المرة الأولى التي تنسحب فيها واشنطن من منظمات دولية دعمًا لدولة الاحتلال على حساب الحقوق العربية والإسلامية في فلسطين، إذ سبق أن انسحبت واشنطن من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لاعتماده قرارات إدانة واتهام "تل أبيب" بتنفيذ خروقات وجرائم ضد الفلسطينيين تنتهك القانون الدولي، حيث أوقفت الولايات المتحدة موازناتها للمجلس كإجراءات عقابية له كما قامت (إسرائيل) بالانسحاب من المجلس أيضًا.