فلسطين أون لاين

حرب الإبادة سرقت فرحة الغزيين بعيد الأضحى

تقرير موسم الأضاحي في قطاع غزّة .. خراف نحيلة وأسعار مضاعفة (بالصور)

...
موسم الأضاحي في قطاع غزّة .. خراف نحيلة وأسعار مضاعفة (بالصور)
خان يونس/ يحيى اليعقوبي:

بصعوبة استطاع الحاج محمود الأسطل العثور على خروف بوزن 80 كغم في سوق المواشي الواقع بمنطقة "قيزان النجار" جنوب محافظة خان يونس، فمعظم الخراف والأغنام المعروضة في السوق اتسمت بالضعف بسبب منع الاحتلال دخول الأعلاف مما أدى لاعتماد المربين على الدقيق والحمص أو رعيها في الأراضي الذي لم يكن بديلاً ناجعًا لزيادة أوزان المواشي.

لفت الخروف الذي اشتراه الأسطل أنظار الوافدين إلى السوق، بينما كان يتجه به للعودة لخيمته، حيث ينتظره أبناؤه وأحفاده، فحرص على شراء الأضحية رغم مضاعفة سعره ثلاثة أضعاف عن المواسم السابقة، بهدف "التقرب إلى الله" وأن تساهم هذه الأضاحي برفع بلاء الحرب عن قطاع غزة، ولرسم الفرحة والبسمة على وجوه أحفاده يوم العيد.

914bd568-9fd3-4f1a-9c83-5b6a934cd9d1.jpeg
 

ما إن حلت الساعة الثامنة صباحًا، امتلأ السوق بالخراف والأغنام، بعضها عرضت في أقفاص على عربة يجرها حيوان، وتوزع بعض المربين الذين جاؤوا بخروف أو اثنين على جانبي السوق ووجدوا هذه الفترة مناسبة لبيعها بأسعار مضاعفة، أو لعدم قدرتهم على تربيتها نظرًا لندرة وجود الأعلاف في القطاع.

أسعار مضاعفة

يقول الأسطل الذي رسمت ملامحه علامات الفرح لـ "فلسطين أون لاين" وهو يضع يده على فرو الخروف سعيدا بهذه الأضحية التي ظفر بها رغم أن سعرها يبلغ أربعة أضعاف سعرها في المواسم السابقة: "اشتريته لأن وزنه يناسب عدد أبنائي والجيران بمخيم النزوح. الآن ينتظرون عودتي بفارغ الصبر على باب الخيمة".

بينما كان الارتياح يرسم طريقه في ملامحه الأسطل، كان الاستياء باديًا على وجه الشاب عدي أبو دراز، بعد أن تفاجأ بتضاعف أسعار المواشي، إذ يحتاج ضعف المبلغ الذي يحمله لشراء الأضحية.

 يمتزج صوت أبو دراز الذي اعتاد على شراء الأضحية منذ سبع سنوات بالحزن قائلا: "شعور قاس أن لا تستطيع شراء الأضحية. جئت وأخذت جولة في السوق لكن البائعين يتمسكون بأسعار خيالية فلا أستطيع شراء الأضحية".

غادر الشاب السوق بلا خروف ويعتقد أن الجمعيات الخيرية والمقتدرين من المواطنين هم من يستطيعون شراء الأضحية في هذه الفترات العصيبة في ظل حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال على القطاع، وهذا ما يؤكده وئام أبو طير الذي اشترى خروفا لصالح إحدى الجمعيات الخيرية.

يوضح أبو طير أن سعر كيلو المواشي بلغ 100 شيقل (20 دينارًا) إذ استطاع شراء خروف بوزن 30 كغم بسعر 2500 شيقل (500 دينار) بعد أن كان سعر الكيلو لا يتجاوز 4 دنانير في المواسم السابقة.

تمتلئ المنطقة المحيطة بالسوق بحظائر المواشي، وبداخل كل واحدة يوجد عشرات الخراف هي المواشي المتبقية في قطاع غزة حافظ عليها أصحابها من خلال التربية والاعتناء المتواصل بها وترشيد استخدام الأعلاف بهدف المحافظة عليها لموسم الأضاحي، بعد منع الاحتلال إدخال المواشي للقطاع ومنع إدخال الأعلاف وقصف حظائرها.

أدى قصف الاحتلال لتلك الحظائر لمقتل آلاف الخراف، إضافة لإقبال المواطنين على شرائها طوال فترة الحرب في ظل منع إدخال اللحوم المجمدة للقطاع مما أدى لارتفاع سعر كيلو الخراف الواحد في السوق من 45 شيقلا قبل الحرب إلى 100 -150 شيقلا خلال الحرب.

وحافظ رعاة المواشي على مد السوق والحظائر بها، وهؤلاء يعتمدون في الغذاء على التجول بالخراف بين الأراضي الزراعية والأحراش وإطعامها من الحشائش والنباتات المزروعة في الطرق.

قصف الحظائر

أبو لؤي، وهو أحد رعاة الأغنام جاء لبيع خروفين بعد أن تناقصت الخراف التي كان يربيها من 40 خروفا كان يملكها مع بداية الحرب إلى عشرة خراف يملكها حاليًا.

يوميا ومع كل صباح يذهب أبو لؤي لرعي أغنامه على مقربة من السياج الحدودي شرق محافظة خان يونس ويخاطر بنفسه لإطعام الخراف.

عن رأيه بالخراف المعروضة في السوق، يوضح وهو يضع يده على خروفيه النحيلين أن "معظمها تتسم بالضعف والنحف والعديد منها صغيرة، وهي لا تصلح لأن تكون أضحية لكن نظرًا لظروف الحرب فإن الناس تشتريها ابتهاجا بعيد الأضحى".

f95a3da8-9220-48de-8ff7-a5ea2b083c81.jpeg
 

ويعاني مربو الخراف من شح أدوية التطعيم المعوي وهو يعطى للخراف بعد أن تبدأ بتناول الأعشاب لحمايتها من الأمراض، وهو غير متوفر الآن.

ولا تختلف حال خروفيه عن حال الخراف المعروضة في السوق، فتبدو عليها النحف إذ لا يزيد وزنها عن 30 كغم، رغم أنه يفترض أن تصبح ضعف وزنها الحالي.

وإضافة لشح دواء التطعيم، ارتفع سعر كيس الأعلاف فبعد أن كان يبلغ سعره 130 شيقلاً أصبح يبلغ حاليا 400 شيقل في ظل منع الاحتلال إدخاله باستثناء مرة وحيدة سمح بإدخال بعض شاحنات الأعلاف.

تراوحت أسعار الخراف في سوق المواشي، ما بين 7 آلاف شيقل للخروف العساف الذي تربع على قائمة الأعلى سعرًا رغم أن سعره الطبيعي قبل الحرب كان يبلغ نحو ألفي شيقل، ثم الأغنام وأنثى الخروف التي بلغت أسعارها ما بين  ألفي إلى 4 آلاف شيقل حسب وزنها وعمرها.

كان الغضب يعلو ملامح شادي الحوراني وهو تاجر مواشي بسبب ارتفاع سعرها، واغلاق المعابر وعدم إدخال المواشي للقطاع مما أدى لضعف موسم الأضاحي.

بنظرات استهجان وصوت مليء بالقهر يقول وهو يجول بنظره نحو الخراف الموجودة بالسوق: "الخراف الموجودة بالغالب هي خراف رعي أي أنها أطعمت من الأعشاب والحشائش وليس الأعلاف، كما أن خراف الحظائر أطعمت دقيق وحمص وفول مما أثر على وزن الخراف".

b1035eb6-6051-48ba-83d6-273687e52bae.jpeg
فيما يحمل التاجر المكنى أبو أحمد ضهير الاحتلال مسؤولية ضعف موسم الأضاحي، نتيجة قصف مزارع المواشي، ما أدى لقلة أعدادها في السوق.

يقول ضهير عن حال الحركة الشرائية في السوق عشية عيد الأضحى: "الناس هنا تأتي للمشاهدة أكثر من شراء الأضحية، فالوضع صعب وليس لديها مقدرة مالية لشراء الأضحية".

خلى السوق ومزارع المواشي من العجول التي اختفت من قطاع غزة منذ عدة أشهر بسبب إقبال الناس على ذبحها وموت الآلاف منها بعد قصف الاحتلال لمزارعها ومنع إدخالها، فيما قامت بعض المزارع بعرض الإبل بديلاً عنه خلال موسم الأضاحي.

وحرمت حرب الإبادة أهالي قطاع غزة، من عيش موسم الأضاحي فالناس منشغلة في النزوح من منطقة إلى أخرى هربا من الموت والصواريخ، ينام مئات الآلاف من النازحين في الخيام ولا يملكون قدرة مادية على شراء الأضحية، فبالكاد يستطيعون شراء طعامهم اليومي.

يمتزج صوت الشاب العشريني محمود بالأسي وهو يقف أمام بوابة حظيرة خراف تضم العشرات منها، وبينما يشاهد من بعيد كانت ذاكرته تنقله للموسم الماضي حينما كانت تمتلئ الحظائر بالزوار قائلا: "هذه الحرب سرقت منا كل شيء، أتذكر كيف كنا نأتي إلى هنا مع أبي وأخوتي ونتجول بين الحظائر لنشترك في شراء عجل، ثم ننتظر حلول العيد بفارغ الصبر لصلاة العيد ثم الأضحية حيث يجتمع صغارنا ويأتي أبناء الجيران للمشاهدة".

 

المصدر / فلسطين أون لاين