فلسطين أون لاين

المثقف الإسلامي هل يقود الأمة إلى تحقيق التغيير؟!

التحديات تثير العقل وتفرض على الأمة أن تفكر في إبداع أساليب جديدة لمواجهتها، والأمة التي تتعرض لخطر يهدد وجودها؛ يجب أن تبحث عن مصادر قوتها، وتخطط لاستثمارها.

والثروة الثقافية والفكرية من أهم مصادر القوة؛ فالأمة التي تمتلك تاريخا وحضارة يمكن أن تبني مجتمع المعرفة الذي يشكل أساسا للتقدم في مجالات السياسة والاقتصاد والتعليم والإعلام خلال هذا القرن.

هل أدركت أمريكا تلك الحقيقة؛ فحركت أتباعها للهجوم على الإسلام؛ لأنه مصدر القوة الفكرية والمعرفية التي يمكن أن تستخدمها الأمة الإسلامية في تشكيل الوعي بأهمية الوظيفة الحضارية والدور التاريخي؟!

قراءة الأحداث تبرهن على أن الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني، والهجوم على العقيدة الإسلامية، وانتقاء بعض الأحداث التاريخية، والتركيز عليها، كل ذلك يتم بغرض نفي صلاحية الإسلام لقيادة كفاح الشعوب لتغيير واقعها، والتحرر من الاستعمار القديم والجديد، ومن نهب أمريكا وأوروبا لثروات الشعوب.

لذلك حركت أمريكا أتباعها للهجوم على الإسلام، وسيطرت السلطات المستبدة على قنوات التليفزيون التي ما زالت الوسيلة الرئيسية للتأثير في وعي الناس، وترويج الخطاب الذي يشوّه صورة الإسلام. ومتابعة تلك القنوات توضح عداء السلطات المستبدة للإسلام، ومنع المثقفين الإسلاميين من توضيح دوره في قيادة حركة التغيير وكفاح الشعوب.

يمكن أن نلاحظ أن الربط بين الإسلام والإرهاب شكّل المحور الذي التقت حوله إرادة السلطات المستبدة، مع تخطيط أمريكا لفرض استعمارها الثقافي. لذلك تركزت جهود أنصاف الجهلاء الذين استخدمتهم أمريكا والسلطات المستبدة؛ بعد هزيمة ثورات الربيع العربي على هذا الربط الزائف، والتخويف من الإسلام، والعمل على نفي الإسلام من الحياة؛ حتى لا يدفع الشعوب إلى التطلع للحرية والتحرير.

وظيفة المثقف الإسلامي

مواجهة التحديات تفرض على المثقف الإسلامي أن يفكر بشكل جديد في دوره التاريخي، وأن يطور وظيفته؛ بأن يقود الشعوب لتحقيق التغيير، وعدم الاكتفاء بالدفاع عن الإسلام، وكشف زيف أنصاف الجهلاء الذين تستخدمهم أمريكا والسلطات المستبدة التابعة لها.

بالرغم من أهمية توعية الأمة بخطورة الحرب الثقافية التي تستهدف تزييف وعيها، فإن العالم يحتاج الآن إلى تقديم الإسلام للشعوب ليقود كفاحها من أجل الحرية وبناء المستقبل. لذلك يجب أن ينطلق المثقف الإسلامي للقيام بدوره في قيادة التغيير.

عداء السلطات المستبدة للمثقفين الإسلاميين، يتيح لهم فرصا لتطوير وظيفتهم، فكراهية الشعوب لتلك السلطات تتزايد، وشعور الناس بخيبة الأمل في تلك السلطات المستبدة يرتبط بالسخط على المتغربين العلمانيين المرتبطين بالغرب، الذين برروا لتلك السلطات الانقلاب على الديمقراطية والسيطرة على الحكم.

ومن المؤكد أن الغضب الكامن في صدور الشعوب سينفجر قريبا، وأمريكا أصبحت تدرك أن استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة سيجعلها تفقد السلطات العربية المستبدة التابعة لها، وأن العالم يتغير بشكل أسرع من قدرتها على مواجهة الانفجار الشعبي بأساليبها القديمة.

هذا الغضب الشعبي على الاحتلال والسيطرة الأمريكية والاستبداد؛ سيحمل معه تعاطفا مع المثقفين الإسلاميين الذين تعرضوا للاضطهاد والقهر والسجن والنفي. لذلك يجب أن يقدم المثقف الإسلامي للشعوب المتعاطفة معه مشروعا حضاريا يستجيب لطموحها في تحقيق العدل، وبناء تقدم حقيقي يقوم على الاكتفاء الذاتي، والتحرر من التبعية للغرب.

مثقف إسلامي يقود التغيير.. لماذا؟!

الأحداث الآن تفتح المجال أمام المثقفين الإسلاميين، لتقديم مشروعهم الحضاري للعالم، الذي تشتد حاجته إلى أفكار جديدة جريئة تقود الشعوب إلى التحرر من الاستعمار والاستبداد.

والمثقف الفلسطيني الإسلامي المقاوم قدم لنا نموذجا مهما للوظيفة والدور التاريخي، فتمكن من قيادة ثورة عقول، خططت وأبدعت في ابتكار وسائل مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، الذي يعتمد على استخدام قوته الغاشمة في إبادة الشعب الفلسطيني.

المقاومة الفلسطينية طورت مفهوم المثقف المقاتل من أجل الحرية الذي يمتلك رؤية وحلما، فهؤلاء المقاتلون طوروا ثقافتهم وقدراتهم على التعبير عن حلم الأمة في تحرير فلسطين، وانطلقوا من عقيدتهم الإسلامية لتغيير الواقع، واستوعبوا دروس التاريخ الإسلامي وحولوها إلى مصدر للقوة، فالرموز تثير الخيال، وتطلق الطاقات الإنسانية.

إذا درسنا تاريخ حياة قيادات المقاومة الإسلامية في فلسطين فسنكتشف أنهم مثقفون، لذلك يعبرون عن قضيتهم بلغة عربية فصحى قوية وأصيلة تثير الإعجاب، وخطابهم يؤكد أنهم أصحاب رؤية وحلم ويقين وأمل وقدرة على تحقيق الأهداف.

كان أهم ما تضمنه نموذج المقاومة الإسلامية في فلسطين أن المثقف يقود التغيير، فداخل السجون الإسرائيلية طوّر هؤلاء المقاتلون من أجل الحرية ثقافتهم، وأبدعوا، وأنتجوا شعرا وروايات، وعبروا عن مشاعرهم الإنسانية، وقدموا رؤيتهم لتحرير فلسطين.

بذلك فتح قادة المقاومة الإسلامية الفلسطينية آفاقا جديدة أمام المثقف الإسلامي ليقود التغيير القادم؛ حيث يمكن أن يبدع انطلاقا من حضارته الإسلامية، وينتج الكثير من الأفكار الجديدة؛ فهو مقاتل من أجل الحرية يستحق إعجاب الشعوب، خاصة طلاب الجامعات الذين يتطلعون لبناء المستقبل.

لذلك يجب أن ينطلق المثقف الإسلامي للقيام بوظيفته في بناء مشروع حضاري جديد، يكون بناء مجتمع المعرفة من أهم أسسه، ويجب أن يدرك أن الغرب يستخدم أنصاف الجهلاء لتعطيله عن القيام بهذا الدور.

هل يمكن أن يطور المثقفون الإسلاميون وظيفتهم ومشروعهم الحضاري وهم يتعرضون للسجن والنفي والمطاردة والاضطهاد والفصل؟!! المثقفون الإسلاميون في فلسطين قدموا الإجابة الواضحة وخرجوا من السجون الإسرائيلية ليقودوا معركة التحرير!