فلسطين أون لاين

بِمبادرة فردية أطلقتها معلمة نازِحة

تقرير داخل خيمة تعليميَّة.. أطفال ينتزعون حقُّ التَّعليم من بين أنياب الحرب بغزّة

...
داخل خيمة تعليميَّة . . أطفال ينتزعون حقُّ التَّعليم من بين أنياب الحرب بغزّة
الوسطى - نبيل سنونو:

عند التاسعة صباحًا، التئم الطلبة الملتحقون في "الخيمة التعليمية.. مدرستي" بأركان علمية عدة ضمن مبادرة فردية أطلقتها المعلمة إخلاص سدر.

وفي الخيمة المقامة على مساحة قدرها 90 مترًا فقط، اشتعل النشاط في أصوات الطلبة الذين ردوا التحية على معلماتهم قبل بدء الدروس.

"جئت إلى هنا لأتعلم وليكون لي مستقبل"، تلتفت الطفلة "وطن" إلى معلمتها التي نجحت في جذب انتباه الطلبة، معبرة في الوقت نفسه عما يدور في خلدها.

عادت الطفلة "وطن" أبو سرحان النازحة في المحافظة الوسطى ومعها نحو 200 طالب وطالبة إلى مقاعد الدراسة بعد ثمانية أشهر من الانقطاع لكن هذه المرة في خيمة على شاطئ مدينة دير البلح بدلا من مدارسهم المعتادة.

photo_2024-05-15_19-11-33.jpg
 

ولا يفوت الطفلة أن تذكر معاناتها من عدوان الاحتلال المستمر على قطاع غزة، بقولها لـ"فلسطين أون لاين": "لقد حرمنا من حقنا في التعليم.. اشتقت لمعلماتي وزميلاتي".

وأدت حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على القطاع إلى انعدام فرص التعليم أمام الطلبة، واستشهاد وإصابة عشرات آلاف الغزيين معظمهم أطفال ونساء منذ 7 أكتوبر، وفق وزارة الصحة.

وتقسم "الخيمة التعليمية.. مدرستي" التي يلتحق بها طلبة من الصف الأول حتى الرابع إلى أركان تعليمية أشبه بالكتاب، في كل منها معلمة متخصصة.

الركن الأول هو "المقرأة" مخصص لتعليم مهارات اللغة العربية والتركيز على القراءة والكتابة كمهارتين أساسيتين، والثاني يهتم بالتربية الإسلامية لتنشئة جيل واع وذي أخلاق عالية، والثالث لتعليم اللغة الإنجليزية، والرابع لتدريس الرياضيات والعلوم، والأخير هو ركن الأنشطة الحرة.

ونظرًا للعدد الكبير للطلبة الملتحقين بالخيمة التعليمية، قُسموا على مرحلتين صباحية ومسائية.

*"تحقيق حلم"*

وتعود بدايات إنشاء الخيمة التعليمية إلى المحطة التي كانت فيها "إخلاص" (30 عامًا) نازحة في إحدى مدارس الإيواء حيث حاولت عرض الفكرة على إدارة المدرسة، لكن اكتظاظ الفصول الدراسية بالنازحات حال دون تنفيذها.

ومثل إنشاء الخيمة التعليمية "حلمًا" للمعلمة "إخلاص" المتخصصة في التعليم الأساسي، التي تقول لـ"فلسطين أون لاين": "كمعلمة، أناملي اشتاقت للإمساك بالطباشير، وكنت أكتب بعض العبارات في الإيواء على السبورة، مثل: الحق في التعليم، وأجمع الأولاد حولي وننشد ونلعب، لكن ذلك لا يرتقي لمستوى التنظيم في العملية التعليمية شبه الرسمية".

ونجحت "إخلاص" في تحقيق "حلمها بإنشاء الخيمة في دير البلح بمبادرة فردية وبتمويل من بعض أصدقائها الذين دعموا الفكرة.

photo_2024-05-15_19-11-30.jpg
وتهدف المبادرة إلى إشراك الأطفال في تجربة جماعية مع أقران التعلم وتخفيف معاناتهم من الحرب وقسوة النزوح.

وتدلل على "شقاء النزوح" الذي يعاني منه الأطفال، بموقف أحدهم عندما قاطع معلمته أثناء مرور عربة حصان، قائلًا: "بدي أعبي مية لأمي".

وتشير "إخلاص" إلى الإقبال الواسع من الطلبة على الخيمة التعليمية، مبينة أنها تستهدف الفئة الأكثر هشاشة من الأطفال كأبناء الشهداء والأسرى "وهذا تحد لنا، فما نقدمه ليس مجرد منهاج نسعى إلى تنفيذه".

وترجمت المعلمة "إخلاص" ظروفها الشخصية إلى هذه المبادرة التعليمية للطلبة النازحين، الذين مرت بتجاربهم ذاتهاولدى "إخلاص" ثلاثة أطفال أكبرهم عبد الرحمن (6 أعوام) وزين الدين (5 أعوام) ويوسف (عام ونصف العام).

وحرم العدوان طفليها عبد الرحمن وزين الدين من الالتحاق بمقاعد الدراسة للشهر الثامن تواليا.

وأجبرها العدوان على النزوح من منزلها قرب دوار النابلسي بغزة يوم 14 أكتوبر، عندما استهدف الاحتلال المنطقة بالأحزمة النارية وقصف منزلها، إلى خانيونس، وصولا إلى دير البلح.

وارتبطت محطات نزوحها بتنكيل الاحتلال بالمواطنين حتى فيما تسمى "المناطق الآمنة" المزعومة في المواصي.

وكان من المفترض أن تكمل "إخلاص" دراستها في مرحلة الماجستير اختصاص إدارة تربوية لكن قصف الاحتلال للجامعة الإسلامية أدى إلى انقطاعها عن مواصلة هذه المرحلة التعليمية.

وتقول المعلمة: صحيح أن لدي القدرة على تعليم أطفالي، لكن الطفل يستجيب للتعلم مع أقرانه أكثر من استجابته للتعلم الفردي.

وعملت "إخلاص" على تحفيظ أطفالها القرآن الكريم وتنظيم أنشطة رسم لهم لكنها واجهت العديد من التحديات، وفي مقدمتها عدم توفر الألوان.

لكنها ابتدعت الوسائل التعليمية كالكتابة والتلوين باستخدام الفحم وبقايا الخشب المحترق.

وتؤمن "إخلاص" بأن مرحلة التعليم في الصغر مهمة جدا، وتحدد إذا ما كان الطفل سيمتلك المهارات الحياتية، مثل: القدرة على قراءة الإرشادات المتعلقة بالأماكن الخطرة، لاسيما في ظل الحرب.

وتتعهد بأن تقدم والمعلمات المتطوعات معها وعددهن ستة، مهارات الحد الأدنى من التعليم للطلبة ليكونوا واعين بما يمرون به من محاولات تجهيلهم واستهداف التعليم، ولتحفيز تفكيرهم وتفريغ انفعالاتهم.

وتشيد بتعاون السكان المحليين في المنطقة مع المبادرة، وتخصيص المواطن محفوظ فياض قطعة من الأرض لإقامة "الخيمة التعليمية.. مدرستي" عليها.

*مقومات التطوير*

لكن الخيمة التعليمية بحاجة إلى مقومات البقاء والتطوير وأبرزها تبني المبادرة محليًا أو دوليًا من المؤسسات التي تعنى بالتعليم والطفولة، وتوفير شبكة الإنترنت لاسيما مع اضطرار طاقم التدريس لقطع مسافات طويلة للحصول على المراجع العلمية إلكترونيًا، ما يمثل تحديًا أمامه.

وتذكر أن من الاحتياجات أيضًا صيانة الخيمة بعد تضررها من عوامل الطقس، وتوفير الطاقة الشمسية لتشغيل السماعة والكمبيوتر المحمول.

وتشير إلى أن توسعة الخيمة التعليمية تعتمد على مدى توفر الدعم للمبادرة.

وتسعى "إخلاص" كذلك إلى تقديم وجبات للأطفال.

وفي ركن اللغة الإنجليزية، انشغلت المعلمة إسراء بدوان بتعليم الطلبة عبارات وجملًا وسط تفاعل منهم.

وتعبر إسراء لـ"فلسطين أون لاين" عن إيمانها بأن الإنسان ممكن أن يُدمر أو يُقتل ولكنه أبدا لن يُهزم من خلال التعليم خاصة في ظل الحرب العدوانية على غزة.

وتقول: إن التعليم يأخذنا من الموت إلى الحياةوتركز إسراء وزميلاتها المعلمات على المهارات الأساسية باللغتين العربية والإنجليزيةوتطمح إلى أن لا ينسى الطلبة التعليم أبدا.

ومع أن الطلبة انتزعوا هذه الفرصة التعليمية وتهافتوا عليها بعد تعطش لها، فإن في عيني كل منهم سؤال عن اللحظة التي سيعود فيها إلى مدرسته، دون خوف من قصف، أو قلق من فقد، أو تأهب لعدوان.

استهداف القطاع التعليمي

وكانت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية علّقت منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، التعليم في جميع المؤسسات التعليمية في قطاع غزة، بسبب القصف المتعمد لها من قوات الاحتلال الإسرائيلي، ولم يتم استئنافها حتى الآن؛ نتيجة لاستمرار حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

في حين يرى خبراء أن استئناف العملية التعليمية في القطاع بشكل كامل يحتاج لسنوات، ما يهدد بـ"إبادة الوعي لدى جيل فلسطيني كامل"، بحسب ما يحذر منه كثيرون.

وكان يوجد في قطاع غزة 796 مَدرسة قبل الاجتياح الإسرائيلي، منها 442 مدرسة حكومية و284 مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، و70 مدرسة خاصة.

بحسب وزارة التربية والتعليم في غزة، كما تعرضت 286 مدرسة حكومية للاستهداف المباشر، و65 أخرى تابعة لوكالة الغوث، ويزيد عدد المدارس المستخدمة كإيواء عن 133 مدرسة.

واستشهد من الطلبة 5994 طالباً حتى الآن، وأصيب نحو 10 آلاف آخرين، فيما بلغ عدد الشهداء من الهيئة التدريسية 266 معلماً ومعلمة، وأصيب 973 آخرين.

يذكر أن الحرب في غزة خلفت أكثر من 35 ألف شهيد غالبيتهم من الأطفال والنساء، ومئات الآلاف من الجرحى والنازحين جراء العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.