تدّعي الدول الغربيّة، وعلى رأسها الولايات المتّحدة، أنّهم مع القضايا العادلة، وخاصّة حقوق الإنسان، وأنّهم يهتمّون بترسيخ العدالة ونصرتها في أيّ مكان، ولأيّ جنس، دون التفريق على أساس عرق ولا دين، وهذا مكتوب في مواثيق ومعاهدات هذه الدول، وهذا ما يدّعونه وعلى رأسهم أمريكا، فهل هذا الشعار حقيقة واقعة، أم قول دون أفعال؟! وهل فعلًا هذه الدول، حريصة على حقوق الإنسان وعلى العدالة في أيّ مكان في العالم؟! أم أنّها تستخدم هذه الشعارات لتصفية حسابات سياسيّة، وأنّها تستخدم هذه الشعارات حسب المصلحة؟! وأنّ عرق الشخص يؤثّر في العدالة، فالدم الأوكرانيّ غالٍ، والدم الفلسطينيّ رخيص مثلًا ؟!
وهذا في الحقيقة، هو الذي تثبته التطبيقات العمليّة التي تمارسها هذه الدول، وعلى رأسها الإدارة الأمريكيّة، وعلى مدار سنوات طويلة، لم نرَ منها نُصرة حقيقيّة خالصة للمظلوم، كما يقولون، أو الوقوف بجانب قضيّة عادلة فقط لأنّها قضيّة عادلة.
إنّ هذا الميزان، يختلف من وقت إلى آخر، ومن بلد إلى آخر، ومن جنس إلى آخر، هذه هي الحقيقة المرّة، وهذا هو الوجه الحقيقيّ للعدالة الغربيّة، وهنا أودّ أن أسلّط الضوء على المسلمين خاصّة، حيث إنّهم أكثر ضحايا الظلم في العالم، وحيث إنّ الديانة الإسلاميّة، الديانة الثانية في العالم من حيث عدد السكان، ويبلغ عدد المسلمين أكثر من ألف مليون نسمة، وهناك أكثر من اثنين وعشرين دولة عربيّة جلّ سكّانها من المسلمين، إضافة إلى دول أخرى كبيرة معظم سكّانها من المسلمين، وهذا يدلّ على مكانة المسلمين في العالم التي يجب ألّا يُستهان بها، وحيث إنّ هذه الدول تدّعي أنّها لا تفرّق بين المسلمين وغيرهم!!
فقد جاءت حرب غزّة -التي يشاهدها كلّ العالم- تفضح هذا الادّعاء وتفنّده، حيث يقتل الأطفال والنساء وتقصف الطائرات البيوت والمستشفيات.
لا أريد أن أفصّل كثيرًا هنا، فليس هذا المقال لبيان وحشيّة هذه الجرائم التي يقوم بها العدوّ الصهيونيّ تجاه أبناء قطاع غزّة، فقد امتلأت وسائل الإعلام بتفاصيل هذه القضيّة التي تُفطر القلب، ولكن هنا أودّ الإشارة، إلى أنّ هذه القضيّة العادلة كانت من أهمّ الأسباب التي فضحت الازدواجيّة الأمريكيّة الغربيّة، وسأذكر في هذا المقال بعض المواقف للإدارة الأمريكيّة قبل غزّة ثمّ بعد ذلك موقفهم تجاه غزّة: أمريكا والغرب يدّعيان أنّهما حريصان على حقوق المسلمين في كلّ مكان، وبعد ذلك فإننا نرى أمريكا تنظر إلى دولة كبيرة مثل الهند تقوم بأعمال إجراميّة تجاه المسلمين، والمصيبة أنها تجاهر بهذا الإجرام، حيث يعلن ذلك صراحة رئيس الوزراء "مودي" في أكثر من تصريح علنيّ تلفزيونيّ، بالإضافة للحزب المتطرّف الذي يضمّ رئيس الوزراء، مع أنّ عدد المسلمين في الهند كبير، وهم جزء رئيس من مكوّنات البلاد، ومع ذلك، منذ تولّي هذا الحزب الحاكم في الهند، والمسلمون يُقتلون على أنظار العالم ورؤية الإدارة الأمريكيّة والغربيّة ولم تحرّك ساكنًا لهذا، ولم تتّخذ أيّ موقفٍ هناك لأنّ الهند شريك لها فأين ذهبت شعارات حقوق المسلمين؟؟، وذلك يؤكّد عدم مصداقيّة النظريّة التي تدّعيها أنّها مع العدل، هذه النظريّة غير حقيقيّة؛ فليس لها تطبيق حقيقيّ على أرض الواقع، والقصص والأحداث كثيرة جدًّا مثل الهند، ومينمار، وغيرها من الدول الإسلاميّة.
والمسلمون في الكثير من البلاد، يتعرّضون للقتل والتعذيب والاغتصاب والدمار، فأين العدالة؟!
أمريكا إذا تكلّمت وتدخّلت في أيّ قضيّة بدعوى العدالة -للأسف- يكون لها مصلحة، وهذه هي الحقيقة التي تثبتها الأحداث، إضافة إلى تدخّلها في شؤون داخليّة لعدّة دول بدعوى حقوق الإنسان، وبعد إعلان حرب غزّة أصبح هناك نموذجًا كبيرًا جدًّا في العالم كلّ العالم يوضّح أعدل قضيّة لمَن كان له سمع أو بصر! ومع ذلك، أمريكا لم تسكت عن نصرة الحق فقط لا غير كما هي دائمًا؛ بل هي داعمة لصوت الباطل في حرب غزّة، تكشف لنا الوجه الحقيقيّ لأمريكا والغرب. أين المبادئ؟ أين دعوى العدالة؟!
لم تكتفِ هذه الدول بالسكوت عن النصرة، بل هي الداعم والشريك للعدوّ الصهيونيّ، بالسلاح والمال والقرار السياسيّ، بل إنّها تعاقب من يتكلّم حتى بالكلام فقط لنصرة غزّة، مع أنّها تدّعي الحريات!
وهذا شيء عجيب جدًّا، والأعجب من ذلك ليس فقط الصمت على الظالم والمعتدي ودعمه، بل الإدارة الأمريكيّة والغرب يحاولون ضرب المسلمين ببعضهم بعضا وطعن المقاومة في غزّة التي يشهد لها كلّ حرّ وكلّ إنسان شريف في العالم، فها هي الدول الغربيةّ تأتي إلى أقلّيّة الإيغور المسلمة في الصين وتقيم لها مؤسّسات ومؤتمرات وتدّعي أنّها حريصة على العدالة، وفي الوقت ذاته يعقد مؤتمر يصف المقاومة في غزّة بأنّها إرهاب، ما هذا؟ طبعًا هذه المؤتمرات والمؤسّسات كلّها بدعم غربيّ أمريكيّ! ماذا يريد الغرب وأمريكا من المسلمين؟؟! هل يريدون لهم الخير؟ أين هم عن المسلمين في
الهند ؟! إنّ مثل هذه المؤتمرات التي تُدين المقاومة وعليها بصمات الغرب الواضحة وينفّذها بعض المسلمين لهي أكبر دليل على ازدواجيّة الغرب وأمريكا في نظرية العدالة وحقوق الإنسان التي يدّعيها.
إنّ الغرب لم يفتح للإيغور مؤسّسات ويدعمهم بسب قضية عادلة وحقوق الإنسان، للأسف هو يستخدمهم وغيرهم كثير ليحقّق مصالحه. إنّ قضيّة غزّة ومعركتها الأخيرة كانت فاضحة وكاشفة للزيف الغربيّ والأمريكيّ وبيان ازدواجيّتهم في التعامل مع حقوق الإنسان والعدالة المزعومة، قضية فلسطين هي قضيّة كلّ الشرفاء الأحرار في العالم وليست قضيّة المسلمين فقط، وحتى في داخل الدول الغربية وأمريكا هناك أصوات كثيرة بدأت تعلو وتعلو... وأقرب مثال، الجنديّ الأمريكيّ الذي أحرق نفسه احتجاجًا أثناء حرب غزّة وأصبح أيقونة!!
وفي الختام أقول ينبغي للعقلاء في الغرب وأمريكا مراجعة حساباتهم ومواقفهم المنحازة للعدوّ الصهيونيّ، حيث يجب أن يرسَلوا جميعًا للمحاكم الدوليّة، للمحاسبة على دعمهم لجرائم الاحتلال، ولايفوتني أن أقدّم خالص العزاء للشهداء والأبطال في غزّة العزّة.