فلسطين أون لاين

"لقد عومل بوحشية"

تقرير يكشف: كيف قتلت وحشية الاحتلال معتقلًا معاقًا من غزة بسجونها؟

...
الشهيد الأسير عز الدين البنا
ترجمة - فلسطين أون لاين

في الـ 24 من فبراير/ شباط، أعلن عن استشهاد الأسير الفلسطيني من قطاع غزة عز الدين البنا (40 عامًا) في ظروفٍ غامضة، في سجون الاحتلال الإسرائيلي، حيث كان يعاني من إعاقة حركية وهو مقعد قبل اعتقاله، نقله جيش الاحتلال من حي الزيتون جنوب مدينة غزة، إلى سجن “الرملة” في وضع صحي خطير جرّاء عمليات التعذيب التي تسببت له بتقرحات شديدة في جسده.

وفي ظل انتهاج سلطات الاحتلال الإسرائيلي سياسة الإخفاء القسري، بحق المعتقلين من قطاع غزة، نمنذ الـ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لم تتمكن المؤسسات الحقوقية والفلسطينية المعنية من الحصول على تفاصيل كافية، حول تفاصيل إعدام الأسير المعاق حركيًا البنا.

"لقد عومل بوحشية من قبل الجنود الإسرائيليين، دون أي اعتبار لإعاقته"، يتذكر محمد البنا، وهو ابن عم عز الدين الذي كان مرافقًا له خلال عمليات نزوحهم المتعددة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.
 
وكان محمد، (30 عامًا)، مع عز الدين خلال الساعات القليلة الأولى من اعتقاله، وقدم لموقع "ميدل إيست آي" وصفاً مفصلاً لمعاناة قريبه قبل وفاته.

يتذكر محمد قائلاً: "لقد بقينا في المنزل الذي لجأنا إليه لمدة يومين، وفي اليوم الثالث، اقتحمت القوات الإسرائيلية المبنى حوالي الساعة الخامسة صباحًا. حتى حوالي الساعة 6.30 صباحًا، قاموا بإطلاق النار بشكل متواصل على المبنى، بالإضافة إلى إطلاق قنابل صوتية عليه.

ويضيف: "لقد طرقوا بابنا وذهبت لفتحه. وعلى الفور رفع جندي بندقيته إم 16 نحوي، وأمر الجنود مجموعة الرجال، ومن بينهم عز الدين وأقاربه، بخلع ملابسهم والوقوف أمام الحائط، ثم أُمروا بتقديم معلوماتهم الشخصية. وطُلب من مجموعة الرجال فيما بعد مغادرة المبنى ولكن بدون كرسي عز الدين المتحرك. واضطر محمد وقريب آخر إلى حمله إلى مستوى الأرض.

وأثناء قيامهم بذلك، عُرض عليهم مشهد يوضح عواقب عدم الانصياع للجنود الإسرائيليين، يتذكره محمد جيدًا، قائلاً: "أثناء نزولنا على الدرج حاملاً عز، رأينا جارنا، أبو محمد حميد، مقتولاً وملقى على الأرض، لقد أطلقوا النار عليه لأنه خرج من شقته دون إذن".

وفي الخارج، أُجبروا على الجلوس مرة أخرى، حيث قام الجنود الإسرائيليون بتقييد أيديهم بأربطة مضغوطة.

وقال محمد إن محنته التي استمرت 15 ساعة، وهو جالس على شظايا الزجاج المكسور، كان يتخللها أحيانًا جندي إسرائيلي يأتي ليصفعه هو وشقيق عز الدين، إيهاب، على وجهه.

وتم إطلاق سراح محمد بعد استجوابه ثم أُمر بالسير إلى جنوب قطاع غزة، ولم يتمكن محمد من رؤية المكان الذي يُؤخذ إليه ابن عمه لأن قناصًا خلفه كان يطلق النار على أي شخص يستدير، كما حذره جندي إسرائيلي من أنه إذا نظر يسارًا أو يمينًا، فسوف تطلق عليه قذيفة دبابة.

وواجه عز الدين، الذي انفصل عن أفراد عائلته، صعوبات إضافية، إذ حرم من الطعام والماء وتعرض للضرب المبرح على أيدي الجنود.

كما اقتاد الجنود الإسرائيليون عز دون كرسيه المتحرك، قال محمد: "لكننا علمنا أنهم أخذوا عز إلى السجن".

ويتذكر شهود عيان، في شهاداتهم لموقع "ميدل ايست آي"، رؤية البنا يتم جره على الأرض رغم إصابته بالشلل من الخصر إلى الأسفل.

وكان الجيش الإسرائيلي قد اعتقل البنا، الذي أصيب بالشلل النصفي من الخصر إلى الأسفل، في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر من مبنى كان يبحث فيه عن مأوى في مدينة غزة، وعلى الرغم من إعاقته، تعرض البنا للضرب المبرح وسحله على الأرض من قبل الجنود الإسرائيليين الذين اعتقلوه.

'فريسة سهلة'

وقال ظريف الغرة، الناشط في مجال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في غزة وصديق عز الدين، إن البنا أصيب بإعاقة بعد تعرضه لحادث عام 2007، وأدى الحادث إلى إصابته بشلل في الجزء السفلي من جسده وصعوبات في القيام بوظائف الجسم الأساسية.

ويتذكر غرة قائلاً: “لقد حاول عز منذ فترة طويلة أن يتحدى إعاقته، وسافر كثيرًا إلى تركيا ومصر لتلقي العلاج”، وأضاف: “خلال هذا الهجوم كان فريسة سهلة للاحتلال الإسرائيلي".

ويضيف الناشط، "عندما اقتحم الجيش الإسرائيلي المنطقة التي كان يقيم فيها عز، تمكن معظم السكان من الفرار، لكنه لم يتمكن من ذلك بسبب إعاقته، كما تم اعتقاله مع شقيقه الذي رفض تركه وراءه".

كما تحدث غرة مع معتقلين يتذكرون وصول عز الدين إلى سجن الرملة. وأخبروه أن البنا "عومل بقسوة" وأن الجنود الإسرائيليين جروه في الشارع.

وقال غرة: "عندما وصل إلى مركز الاحتجاز، تم جره إليه، مما أدى إلى إصابته بجروح خطيرة في ساقيه وقدميه".

وقال صديق عز القديم، إن هذه المعاملة هي التي أدت إلى وفاته، ربما بسبب عدوى التقطها أثناء جر جرح مفتوح على الأرض، وعندما دخل البنا السجن، لاحظ رفاقه رائحة كريهة تنبعث من ساقيه بسبب جرح ملتهب ولم يتم علاجه، وناشدوا سلطات السجن طلب مساعدة البنا، لكن طلباتهم رُفضت حتى تدهورت حالته خلال الأشهر التي قضاها في السجن.

وقال غرة: "عندها فقط أرسلوه إلى المستشفى، وهناك توفي".

الوفاة أثناء الاحتجاز

تظهر الأرقام التي حصلت عليها صحيفة "هآرتس" الأسبوع الماضي أن 27 معتقلاً فلسطينيًا من غزة استشهدوا في ظروف غامضة أثناء احتجازهم في منشآت عسكرية إسرائيلية، وتشمل هذه المرافق قاعدة "سدي تيمان" وقاعدة "عناتوت" في القدس وقواعد مؤقتة أخرى.

وقالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالتعذيب، أليس جيل إدواردز،  يوم الجمعة، إنها تلقت تقارير متعددة عن اعتقالات جماعية وسوء معاملة واختفاء قسري للفلسطينيين الذين اعتقلهم الجيش الإسرائيلي من الأجزاء الشمالية من قطاع غزة.

قبل أن تبدأ "إسرائيل" قصفها لغزة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، كان الأشخاص ذوو الإعاقة يمثلون ما يزيد قليلاً عن 2% من سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.وهذا يعني أن حوالي واحدة من كل خمس أسر في غزة لديها فرد واحد على الأقل من ذوي الإعاقة، وفقا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

ووفقاً لتقديرات جماعات حقوق الإنسان المحلية، فقد أدى الهجوم الإسرائيلي الأخير إلى ما يقرب من 12.000 حالة إعاقة جديدة حتى الآن. وأصيب أكثر من 70 ألف شخص بجراح متفاوتة الخطورة منذ بدء الحرب.

ويواجه الأفراد ذوي الإعاقة في فلسطين تحديات كبيرة نتيجة ما يخلفه القصف الإسرائيلي من دمار في القطاع وما يصاحب ذلك من ظروف غير صحية ونقص في الرعاية الصحية وعدم قدرة ذوي الإعاقة على الوصول للخدمات الصحية، هذا إن وجدت.

ولفت بيان الجهاز المركزي للإحصاء في فلسطين إلى أن جرحى القصف الاسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، خاصة الأطفال، يعانون من إصابات جسدية خطيرة تحتاج إلى جراحات متكررة وعلاجات طبية مكلفة. كما أن الإصابات قد تؤدي إلى الإعاقة والعجز الدائم ناهيك عن الصدمات والاضطرابات النفسية التي تواجههم بصعوبات في التأقلم مع إصاباتهم قد تفقدهم الأمل في المستقبل.