تكشف شهادات فلسطينية موثقة عن استخدام الاغتصاب والعنف الجنسي كأداة تعذيب ممنهجة داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، في واحدة من أخطر الانتهاكات التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون منذ بدء حرب الإبادة، وسط صمت دولي وتواطؤ سياسي يوفّر الغطاء لهذه الجرائم.
وفي شهادات حصرية، نشرها موقع "ميدل ايست آي" روى أسيران فلسطينيان سابقان تفاصيل مروّعة لاعتداءات جنسية وتعذيب جسدي ونفسي نفذها جنود وحراس إسرائيليون داخل مراكز الاحتجاز، مؤكدين أن ما تعرضوا له ليس حالات فردية، بل سياسة منظمة تُمارس بحق الأسرى، لا سيما خلال ما يُعرف بين المعتقلين بـ"حفلة الاستقبال".
صحفي فلسطيني: اغتصبوني بعد فحص طبي
الصحفي الفلسطيني سامي الصايغ (44 عامًا) من مدينة طولكرم، قال إنه تعرّض لاغتصاب داخل سجن مجدو بعد اعتقاله في شباط/فبراير 2024، خلال حملة اقتحامات واسعة نفذها جيش الاحتلال في الضفة الغربية عقب حرب غزة.
وأوضح الصايغ، الذي اعتُقل إداريًا لمدة 16 شهرًا دون تهمة أو محاكمة، أنه نُقل بعد أيام من احتجازه إلى عيادة داخل السجن، حيث كان يسمع صرخات أسرى يتعرضون للتعذيب في غرف مجاورة.
وقال، في حديثه لـ "ميدل ايست آي"، أن طبيب السجن أجرى له فحصًا سريعًا، ثم التفت إلى الحراس، مردفًا: "كل شيء على ما يرام… خذوه".
بعدها، يقول الصايغ، جرى اقتياده وهو معصوب العينين ومكبّل إلى غرفة مغلقة، حيث تعرّض للضرب المبرح، والدوس بالأقدام، والشتائم، قبل أن يُغتصب باستخدام أداة صلبة، فيما كان الحراس يضحكون ويشاهدون الاعتداء.
وأشار إلى أن أحد الحراس هدده باغتصاب زوجته ووالدته وأطفاله، وقال له: "سنفعل هذا بكل الصحفيين".
وأضاف: "كنت أشعر أنني أموت… الألم لا يُحتمل، ولم أكن أفهم لماذا خلعوا ملابسي… بعدها أدركت".
ويرجّح الصايغ أن الجريمة جرى تصويرها، بعد أن سمع أحد الحراس يطلب من آخر "إيقاف التصوير".
"حفلة الاستقبال": تعذيب واغتصاب عند دخول السجن
بحسب الصايغ، يُطلق الأسرى على هذا النمط من الاعتداءات اسم "حفلة الاستقبال"، وهو تعذيب عنيف يتعرض له كثير من المعتقلين فور وصولهم إلى السجن، ويشمل الضرب المبرح والاعتداء الجنسي والإذلال المتعمد.
وقال: "ما تعرضت له نقطة في بحر… ما سمعته من أسرى غزة كان أبشع، لم نسمع بمثل هذا المستوى من السادية حتى في التاريخ".
وأكد أن معظم هذه الجرائم تُرتكب على يد حراس مصلحة السجون الإسرائيلية، وليس خلال التحقيق فقط.
أسير سابق: جنود استخدموا كلبًا لاغتصابي
وفي شهادة أخرى صادمة، قال أسير فلسطيني سابق من الضفة الغربية، فضّل عدم الكشف عن هويته، إن جنود الاحتلال استخدموا كلبًا لاغتصابه داخل أحد السجون.
وأوضح أن الحراس اقتحموا زنزانته فجرًا، وقيّدوه مع عدد من الأسرى، ثم اقتادوه إلى دورة مياه بعيدة عن الكاميرات، حيث جرى تعريته وضربه، قبل إدخال كلب وإطلاقه للاعتداء الجنسي عليه.
وأضاف أن الجنود انهالوا عليه ضربًا عندما صرخ، بحجة "إزعاج الكلب"، ثم ألقوه شبه عارٍ في ساحة السجن لساعات طويلة تحت البرد.
وقال: "كل يوم في السجن كان ألف موت… لكن تلك اللحظة لا يمكن وصفها".
وأشار الأسير إلى أن الاعتداء الجنسي كان جزءًا من منظومة تعذيب شاملة تشمل التجويع المتعمد، والحرمان من الماء، والإهمال الطبي، والاكتظاظ، وانتشار الأمراض دون علاج.
وأوضح أن الأسرى كانوا يحصلون على طعام لا يتجاوز 700 غرام يوميًا، دون ملح أو سكر أو فاكهة أو لحم، فيما أدّى نقص الفيتامينات إلى تساقط الأظافر، وتقرحات، وانهيار الجهاز المناعي.
بن غفير يشرف على الاعتداءات
وأكد الأسير أن وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير زار سجن عوفر في تموز/يوليو 2024، حيث اقتحمت وحدات من الحراس غرف الأسرى واعتدت عليهم بالهراوات، بينما كان بن غفير يشاهد ويوجّه الحراس ويضحك.
وقال: "رأيته بعيني… كان يتصرف كمخرج لمشهد تعذيب".
وتتطابق هذه الشهادات مع تحقيق أممي اتهم الاحتلال باستخدام الاغتصاب والتعذيب الجنسي كـ "وسيلة حرب" تهدف إلى إخضاع الشعب الفلسطيني وتدمير نسيجه المجتمعي.
كما وصفت منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية السجون بأنها "شبكة معسكرات تعذيب"، وثّقت فيها حالات اغتصاب جماعي واعتداءات جنسية نفذها جنود وحراس.

