فلسطين أون لاين

أهداف "خفية" ومُباركة "إسرائيلية"..

ما الذي يخطط إليه بايدن في مقترح "الميناء العائم" بغزة؟

...
غزة - فلسطين أون لاين

مفارقةٌ جديدة تظهر على الساحة الأمريكية بعد إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن في خطاب "حالة الاتحاد" بالكونغرس، أمس الخميس، أنّه أصدر تعليمات للجيش الأمريكي من أجل إنشاء ميناء مؤقت في البحر الأبيض المتوسط على ساحل غزة.

وأوضح بايدن نيّته "الطيبة" في أن المزيد من المساعدات الإنسانية ستدخل إلى غزة بحرًا عبر هذا الميناء دون أن تطأ أقدام الجنود الأمريكيين غزة.

وأشار في حديثه عن "الميناء" إلى أنه سيكون ممر ونافذة "أمل" لدخول كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية إلى غزة كل يوم.

تحوّلٌ كبير في حدة الخطاب الذي اعتاده الجمهور الدولي من الرئيس الأمريكي الذي أعلن عن دعمه الكامل للحرب "الإسرائيلية" على غزة، بل إنّ وقوفه غير المتناهي إلى جانب "إسرائيل" جعله شريكًا أساسيًا في الحرب المدمّرة التي اندلعت منذ 7 تشرين أول/ أكتوبر 2023.

لم يكتف الرئيس الأمريكي بالحديث عن الممر المؤقت في غزة، بل إنه اعترف بشكل "صريح" بصدق إحصائيات ضحايا العدوان الصهيوني على غزة، والتي صدرت عن وزارة الصحة الفلسطينية والمكتب الإعلامي الحكومي، بعد إنكاره لتلك الإحصائيات على مدار 5 أشهر من بداية العدوان على قطاع غزة.

وتلوح بعض التساؤلات بالأفق، ما الذي تغير؟ وما هي الأهداف التي يحملها بايدن في سطور خطاب "إنساني" يلقيه للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب على غزة؟

تداولت الصحف العالمية خطاب الرئيس الأميركي، مُسلطةً الضوء على  حديثه حول بناء ميناء "عائم" قبالة سواحل قطاع غزة.

ومن جانبها، وصفت صحيفة "غارديان" البريطانية  خطة الولايات المتحدة لبناء ميناء عائم قبالة ساحل غزة بالخطوة "الجريئة".

وأوضحت أنها خطة ليست سهلة، ولا تخلو من مخاوف حقيقية ترتبط من أن الإغاثة التي ستجلبها لن تكون كافية، وستكون متأخرة للغاية بالنسبة للفلسطينيين الذين يواجهون "المجاعة".

ولفتت الصحيفة إلى أن المساعدات ستخضع لفحص من قبل المفتشين "الإسرائيليين" الذين سيتواجدون في ميناء لارنكا القبرصي، وهذا يعني سيطرة "إسرائيل" على عملية تدفق المساعدات بحجة "التدقيق الأمني".

فيما أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، إلى أنّ البنية التحتية للممر البحري الذي اقترحه بايدن سيستغرق وقتًا طويلًا، ولا يمكن أن يشكل بديلًا عن الطرق البرية لدخول شاحنات المساعدات.

وصرّح مسؤولون بالإدارة الأمريكية  لوكالة "رويترز" أن إنشاء ميناء على ساحل قطاع غزة سيستغرق أسابيع، وأن الشحنات الأولية من المساعدات ستصل إلى الميناء من قبرص.

كما وأكد المسؤولون أن العملية لن تتطلب قوات أمريكية على الأرض، والقوات ستظل في سفن قبالة الساحل.

الأهداف الحقيقية

يظهر الجانب الإنساني "الطيب" في خطة بايدن بشكل واضح، إلّا أنّ محللين وخبراء كشفوا عن الأهداف الخفية التي يرمي الرئيس الأمريكي إلى تحقيقها، والتي تتعلق بتشجيع هجرة الفلسطينيين إلى أوروبا من خلال الميناء "العائم"، وإلغاء أي دور لمعبر رفح البري على الحدود مع مصر، لأن "إسرائيل" لا تثق به، وتعتبره المدخل الرئيسي لأسلحة حركة حماس، فيما وأشار أخرون إلى أنّ هذه الخطة تعني تحكم "إسرائيل" بكافة منافذ غزة، وإنهاء أي سيادة للفلسطينيين على المعابر. 

وأكد خبراء أن هذه الفكرة ليست "جديدة" حيث تم طرحها قبل 10 أعوام إلّا أن أفيغدور ليبرمان (رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف) أفشل الفكرة، عندما كان وزيرًا للحرب في ذلك الوقت، ووزير المواصلات يسرائيل كاتس.

من جهته، قال خبير الشؤون العسكرية والاستراتيجية، هشام خريسات إن هذا الميناء التكتيكي العسكري سيلقى مباركة "إسرائيلية"؛ خاصةً أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يتطلع إلى فكرة طرحه منذ بداية الحرب، بهدف التهجير الطوعي للغزيين، والهروب إلى أوروبا. لافتًا إلى أن الهدف الأساسي والحقيقي خلف هذه الخطة ليس له علاقة مباشرة بـ"المساعدات"، فالقصة تكمن وراء تشجيع هجرة الفلسطينيين إلى أوروبا من خلال هذا الميناء.

آلية عمل الميناء العائم

وأوضح خريسات إلى أن هذا الرصيف تقدّر تكلفته الأولى بـ35 مليون دولار، وعمق الغاطس للسفن بالرصيف لن تقل عن 17 مترًا، فيما ستكون مساحة الميناء 6 كيلو مترات مربعة لأنه سيضم مشافي عائمة مخصصة لعلاج جميع الفلسطينيين في قطاع غزة، بالإضافة لبيوت إيواء عائمة بسفن جانب المشافي.

وأشار إلى أنه سيتم تخصيص ميناء بقبرص مدفوع الأجر من الولايات المتحدة، بحيث يصل إلى موقع الميناء على شاطئ مدينة خانيونس على سواحل غزة. لافتًا إلى أن المسافة من ميناء قبرص إلى الميناء الأمريكي في غزة تقدر بـ387 كيلو مترًا.

وقال خريسات إن جميع السفن التي ترسل المساعدات الإنسانية، ستكون تحت رقابة سلاح البحرية والأقمار الصناعية "الإسرائيلية"، وسيمنع وقوفها تحت أي ظرف من الظروف. لافتًا أنها ستذهب أولًا إلى ميناء أسدود ليتم تدقيقها وفحصها ثم ترسل تحت سيطرة البحرية "الإسرائيلية" والمسيرات إلى القطاع الفلسطيني، فيما سيبقى الجيش الأمريكي بالبحر، ليشرف على الميناء من بعيد.

وفي الإطار، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية بعضًا من تفاصيل خطة "الميناء المؤقت" التي تدعو إلى بدء إرسال شحنات المساعدات الجديدة إلى غزة عن طريق البحر في الأيام القليلة المقبلة، على أن تتولى "شركة خاصة" التعامل مع الأمور اللوجستية. 

ووفق الصحيفة، فإن الرحلة بين قبرص وساحل غزة ستستغرق حوالي 23 ساعة، ويأمل المسؤولون أن تصل حمولة 200 شاحنة من المساعدات يوميًا خلال 28 يومًا.

وأكد مسؤول أوروبي كبير لـ "وول ستريت جورنال"، أن "إسرائيل" ستقوم بفحص الشحنات في قبرص، لضمان عدم تضمين أي أسلحة أو منتجات أخرى يمكن أن تكون مفيدة لحركة "حماس" في غزة، كما ستراقب الطرق البحرية التي تسلكها سفن الشحن بعد مغادرتها قبرص، لضمان عدم تهريب أي بضائع على متنها أثناء الرحلة.

الدول المُشاركة

وعن مشاركة الدول، ذكرت "وول ستريت جورنال" أنّ الولايات المتحدة  وضعت خطة "الميناء"، بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي  وقبرص، والإمارات، وبريطانيا، والأمم المتحدة، التي ستتولى إدارة الإمدادات إلى غزة.

السر في سرعة تنفيذ الخطة

وفي متابعة تحليلات الخبير الاستراتيجي  خريسات، كشف عن سبب جهود بايدن في إسراع بناء الميناء،  فالسر وراء ذلك هو قلق بايدن مما سينتج من اجتياح الجيش "الإسرائيلي" لمدينة رفح جنوبي القطاع، ومن عدم إنهاء الكارثة الإنسانية بغزة، الأمر الذي سينعكس على نتيجة الانتخابات في الولايات المتحدة.

وخلص الخبير الأردني حديثه، بالتأكيد على أن "إسرائيل" ستوافق على الميناء لسببين، وهما تمرير صفقة تبادل الأسرى، والهجوم البري على رفح بدون إغضاب واشنطن.

مُباركات "إسرائيلية"

قالت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية  إن "إسرائيل" تؤيد وترحب بإنشاء هذ الرصيف "المؤقت"، مشيرةً إلى أن واشنطن ناقشت مع "تل أبيب" تلك المبادرة التي سيتم تنفيذها بالتنسيق بين الجانبين.

وكشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، أن بعثة عسكرية أميركية زارت شمال القطاع وفحصت نقاطًا مناسبة لإقامته، إذ تفاجأت "إسرائيل" بالسرعة التي يخطط بها الأميركيون لتنفيذ الخطوة.

هل سيُلبي احتياجات الغزيين؟

أكد مدير البرامج الأميركية في مجموعة الأزمات الدولية، مايكل وحيد حنا، لصحيفة "فاينانشيال تايمز" أن المبادرة لن تلبي الاحتياجات العاجلة لسكان غزة، مشيرًا إلى أنه لا يمكن أن يكون هذا الخيار الوحيد.

 وأوضح حنا أن هناك حل أسهل بكثير، وهو أن تسمح "إسرائيل" بدخول المساعدات الإنسانية عبر الحدود البرية القائمة.

وتساءل حنا حول مقدمي المساعدة، خاصة وأن إدارة بايدن علقت تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".

وخلال الشهرين الماضية، هدد نتنياهو بتوسيع هجماته البرية واجتياحه لمدينة رفح التي تضم 1.4 مليون نازح، بعد أن أجبرهم الاحتلال على النزوح من مناطق الشمال إلى الجنوب بحجة أنها "آمنة"، إلّا أنه تلك الخطوة لاقت رفضًا وتنديدًا واسعة من بعض الدول الأوروبية. الأمر الذي دفع نتنياهو لاتخاذها ورقة "تهديد" مؤجلة.

ومنذ 7 أكتوبر 2023، يشن الاحتلال الصهيوني حربًا مدمرة على قطاع غزة، راح ضحيتها 30878 شهيدًا، و إصابة 72402 آخرين، فيما تشير وزارة الصحة إلى وجود عشرات الآلاف من المفقودين تحت الأنقاض وفي الطرقات، وفي أماكن يصعب الوصول إليها جرّاء إطلاق النار المتواصل من قبل قوات الاحتلال على كل من يقترب تلك الأماكن.