يفترض أن تجري المياه في مجرى وادي غزة داخل حدود قطاع غزة بشكل طبيعي، ولكن الاحتلال الإسرائيلي شرع منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي ببناء سدود على المجرى في الجانب الشرقي منه داخل الأراضي المحتلة عام 1948م، ما منع تدفق المياه إلى الوادي.
إجراءات الاحتلال تلك جعلته مكرهة بيئية وأكثر المناطق تلوثًا بالنترات، وأصبح مكبًّا للمياه العادمة غير المعالجة بالدرجة الكافية.
وبذلك تسبب الاحتلال بمنع 20 مليون متر مكعب من المياه من الجريان في الوادي سنويًّا، منذ مطلع الثمانينيات بمعدل 800 مليون متر مكعب صادرها منذ ذلك الحين.
الوادي الذي بات "بؤرة تلوث" في المحافظة الوسطى بالقطاع هو نهاية مجرى مائي طويل يبلغ طوله 105 كيلو متر، وينبع من جبال النقب والمرتفعات الغربية لجبال الخليل وينتهي في بحر غزة، ويمتد من شرق غزة حتى غربها على مسافة 9 كيلو متر.
وكانت قوات الاحتلال فتحت السدود المائية على الحدود الشرقية للقطاع أكثر من مرة خلال السنوات الماضية، وأغرقت عدة مناطق في غزة، وأحدثت أضرارًا كبيرة في ممتلكات المزارعين والمواطنين.
سدود تعويق
المدير العام للإدارة العامة للإرشاد في وزارة الزراعة م. نزار الوحيدي بين أن هناك مجموعة من سدود التعويق التي أقامها الاحتلال على أعلى الوادي، مشيرًا إلى أن هذه السدود أحيانًا تنهار أو تفتح دون التنسيق مع الجهات المختصة في غزة، بإبلاغ اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الجهة المخولة التواصل بين غزة والاحتلال الإسرائيلي.
وقال الوحيدي لـ"فلسطين": "إن الاحتلال يفتح السدود لتنظيفها وإزالة الرواسب التي تتكون بعد الفيضان الأول الذي يحدث كل عام، أو إن كان هناك أمطار غزيرة، ما يؤدي إلى ارتفاع منسوب المياه".
وحتى لا ينهار جسم السد يفتح الاحتلال بوابة احتياطية لتصريف المياه تجاه الأراضي الزراعية في قطاع غزة، دون إبلاغ الصليب الأحمر بذلك، ما يسبب خسائر كبيرة، بحسب إفادة الوحيدي.
وأكد ضرورة مغادرة المزارعين، ورعاة الأغنام والإبل، وأصحاب النشاطات الصغيرة مجرى الوادي مع بداية موسم فصل الشتاء.
والمخاوف من غمر المياه منطقة مجرى الوادي _حسبما تابع الوحيدي_ تبدأ أول فصل الشتاء، ولا تنتهي إلا في شهر أيار (مايو) من كل عام، وبين أن أي تيار مائي قوي يمر بمجرى الوادي من الأمطار بمنطقة جنوب فلسطين أو من تجمع مياه الحوض سيؤدي إلى خسائر، وقلع الأشجار، وهدم مزارع دواجن، وقتل دواب.
وجدد الوحيدي تأكيد أن السكن في المجرى مخاطرة بيئية يجب الامتناع عنها، لأن هذه المنطقة يتوقع أن يصل إليها فيضان المياه.
وفيما يتعلق بإمكانية تأهيل وتطوير المجرى قال: "إن تطوير الوادي أكبر من قدراتنا على إعادة تأهيله، مع تنفيذ عدة مشاريع منذ عام 1994م، لكنها لم تستطع تقديم حلول جذرية لأنها مشاريع صغيرة".
وبين أن الوادي يحتاج إلى إعادة تصميم مجراه، وبناء جدران استنادية، وخزانات وسدود تعويق للاستفادة من مجرى المياه وإبطاء حركة التيار.
ورأى أن تحسين المجرى يشمل مجموعات من العمليات، منها إنشاء حفر لتجميع المياه، وسدود تعويق، حتى يكون هناك كمّ مائيّ جاهز للتسرب، لافتًا إلى أنه في كل وقت هناك فرصة لعمل شيء، كزراعة أشجار أو بناء منشآت ومرافق على المجرى.
وتابع: "مازلنا في قضايا التنمية لا نحصل على ما يلزم"، مشيرًا إلى أن التقصير نابع من الجهات المانحة، التي تعطي مِنحًا إغاثية لا تنموية.
محطة المعالجة
وردًّا على سؤال "فلسطين" عن مدى استفادة المجرى من محطة معالجة المياه العادمة الموجودة بجانبه بين أنهم في وزارة الزراعة قاتلوا من أجل إنشاء تلك البرك بتمويل من الجهات المانحة بوساطة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
وهذه البرك -والقول للوحيدي- معدة لاستقبال المياه العادمة القادمة من مخيمات محافظة الوسطى، ومعالجتها معالجة جزئية لا كلية، ثم طرحها في الوادي قبل تدفقها إلى البحر، لتقليل التلوث في الوادي.
لكنه بين أن عملية احتجاز المياه في تلك المحطات غير كافية، ولا تسمح بالتخلص من مسببات الأمراض، مؤكدًا ضرورة استثمار تلك المياه مصدرًا متجددًا وعدم ضخها إلى البحر، لأن ضخها إلى البحر ليس وفق معايير علمية أو مقاييس مقبولة بيئيًّا ودوليًّا.
وأشار إلى أن منطقة الوادي وقطاع غزة بوجه عام منطقة مهددة بالجفاف، وتعاني من نضوب بالمياه، وهي أفقر بقعة مائية في العالم.
وأكد أن التفريط بأي قطرة مياه عادمة خسارة، مشيرًا إلى أن كمية المياه التي دخلت القطاع خلال فيضان المياه الذي حدث قبل عدة سنوات وأدى إلى خسائر كبيرة تقدر بنحو عشرين مليون متر مكعب لم يستفد منها.
20 مليون متر مكعب
بدوره قال نائب رئيس سلطة المياه في قطاع غزة مازن البنا: "إنه من المفترض أن يدخل الوادي ما يقدر بنحو 20 مليون متر مكعب من المياه سنويًّا خلال موسم الشتاء، ولكن الاحتلال يحجب هذه الكمية عن الجريان".
ورأى البنا في حديثه لـ"فلسطين" ذلك خسارة للفلسطينيين، لأنه يمكن الاستفادة منها في تغذية الخزان الجوفي، وتخزينها للاستفادة منها في فصل الصيف بحفر آبار حول المناطق التي تغذى بالمياه، والاستفادة منها لأغراض البلدية والأغراض المنزلية والزراعية بوجه عام".
وأضاف البنا: "إن الاحتلال تعمد في السنوات الخمس الأخيرة فتح السدود فجأة، ما يؤدي إلى تدفق المياه بكميات كبيرة"، مؤكدًا أهمية تطوير الوادي ليخزن فيه أكبر قدر من مياه الأمطار، والاستفادة في نقل المياه وضخها من منطقة الوادي إلى مناطق أخرى رملية، مثل المحررات، للاستفادة منها.
وعن مساحة الوادي بين أن عرضه داخل حدود القطاع يختلف، ففي المناطق الشرقية لجسر الوادي في شارع صلاح الدين يبلغ عرضه سبعة - عشرة أمتار، أما في المنطقة الغربية للمصب فيصل عرضه إلى نحو 40 مترًا.
وأكد البنا ضرورة إزالة التعديات الموجودة على المجرى، وتحديد حدود حرم الوادي، معقبًا: "نحن فقدنا التنوع الحيوي في المجرى، لأنه من المفترض أن يكون منطقة طبيعية".
وأشار إلى استيعاب مياه الصرف الصحي القادمة من محافظة الوسطى التي كانت تصب بالمجرى سابقًا في محطة المعالجة التي أنشئت بالمنطقة الغربية من المجرى، مؤكدًا أن وضع الوادي بات أفضل فيما يخص التخلص من الروائح الكريهة.
وهناك أهمية إستراتيجية لهذا الوادي لدى الاحتلال، لذلك بنى السدود، بحسب ما ذكر البنا، مضيفًا: "هذا مخالف للقانون الدولي الذي ينص على ضرورة أن تتدفق المياه فيه بشكلها الطبيعي في الحدود العابرة بين الطرفين".