يتناول الجزء الأول من المقال محطة ما قبل مشاركة حركة حماس في الانتخابات التشريعية الثانية، وفوزها بالانتخابات، والتحديات الفلسطينية والإقليمية والدولية التي رافقت تجربتها.
أما الجزء الثاني من المقال فيتناول إنجازات حماس وإخفاقاتها، ويتطرق إلى استشراف المستقبل عبر محور: حماس والانتخابات المقبلة.
أولًا: أجواء ما قبل المشاركة
في عام 2005م اجتمع مجلس الشورى العام لحركة حماس بالداخل والخارج والسجون، وطرح التصويت على قرار المشاركة في الانتخابات التشريعية التي أجريت عام 2006م، وعكس السلوك التصويتي لقادة حماس عدم وجود إجماع على المشاركة، فكان الفارق ضئيلًا لمصلحة قرار المشاركة السياسية بالانتخابات التشريعية، ولكن ما يميز الحركة الإسلامية هو انضباطها والتزامها بقرار الأغلبية، فالتزم الجميع بالقرار، ووضعوا هدف الفوز أمام أعينهم فحققوه.
ثانيًا: فوز حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006م
في صبيحة الخامس والعشرين من يناير 2006م خرج الشعب الفلسطيني بكثافة عالية وصلت إلى نحو 75% للمشاركة بالانتخابات، وكان المناخ إيجابيًّا والشفافية والنزاهة عاليتين جدًّا، وحققت حركة حماس فوزًا كاسحًا، وحصدت 74 مقعدًا، إضافة إلى فوز 4 مرشحين مستقلين دعمتهم الحركة، وبذلك تكون النسبة المئوية لمقاعد حماس بالمجلس التشريعي 60%، وحصدت حركة فتح المنافس الرئيس 45 مقعدًا، ما نسبته 34%.
إن مشاركة حماس، وفوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006م ينبئان بما يمكن تسميته المرحلة الثالثة على مستوى تطور النظام السياسي الفلسطيني.
فالمرحلة الأولى هي نشأة منظمة التحرير الفلسطينية، والمرحلة الثانية نشأة السلطة الفلسطينية، أما المرحلة الثالثة فهي فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية الثانية، وإن هذا الفوز ليس مجرد فوز بعدد من المقاعد النيابية، وليس مجرد تشكيل حكومة، لأن هذا قد يرتبط بالقدرة الانتخابية الزمنية المحددة، ولكن الأثر الرئيس في انعكاسات هذه المشاركة وهذا الفوز على بنية وهيكلية النظام السياسي الفلسطيني، من حيث إطار الشرعية السياسية التي سوف تحكم النظام السياسي الفلسطيني، ومن حيث دور المؤسسية السياسية وغلبتها على النزعة الشخصانية والتنظيمية للنظام السياسي، ومن حيث أيضًا طبيعة العلاقة بين المؤسسات السياسية وشكل النظام السياسي، سواء أكان هذا الشكل برلمانيًّا أم مختلطًا أم رئاسيًّا.
ثالثًا: التحديات الفلسطينية والإقليمية والدولية
كانت نتائج الانتخابات التشريعية عام 2006م صدمة لكثير من الأطراف الفلسطينية والإقليمية والدولية، كونها أفرزت نتائج غير متوقعة للجميع؛ فمحليًّا حماس لم تكن تتوقع النسبة الكبيرة التي حصلت عليها، وحركة فتح لم يكن من السهل عليها الانتقال إلى مقاعد المعارضة، وبين هذا وذاك دخل النظام السياسي الفلسطيني حالة من الإرباك السياسي والإعلامي.
فجاءت ردود الأفعال الفلسطينية _وخاصة ردة فعل حركة فتح_ على فوز حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006م نتيجة طبيعية لحالة التفرد السياسي والهيمنة على النظام السياسي الفلسطيني، الذي قادته حركة فتح أكثر من سبع وثلاثين سنة، وبذلك كان من الصعب على فتح التي قادت المشروع الوطني، وسيطرت على المؤسسة السياسية الفلسطينية أن تنتقل من مقاعد الحكم إلى مقاعد المعارضة، وكذلك حركة حماس التي تفاجأت بحجم الفوز كان من الصعب عليها الانتقال من مقاعد المعارضة إلى مقاعد الحكم، وهذا أدى إلى تأزم النظام السياسي الفلسطيني، وحالة الاشتباك السياسي، إلى أن تحولت في النهاية إلى اقتتال داخلي، نتج عنه تقاسم للنظام السياسي الفلسطيني، إذ سيطرت فتح على الضفة الغربية، وحماس على قطاع غزة.
لم يكن التحدي الداخلي بمعزل عن المواقف الإقليمية والدولية، فقد رفضت العديد من القوى الفاعلة نتيجة الانتخابات، وفرضت الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والولايات المتحدة شروطًا على حماس، عرفت بشروط "الرباعية الدولية"، وهي: "نبذ العنف، والاعتراف بـ(إسرائيل)، والالتزام بالاتفاقيات الموقعة"، فرفضت حماس تلك الشروط، فقوبلت بحصار سياسي واقتصادي، وعزلة دولية وإقليمية، ولم تفتح لها أبواب العواصم باستثناء بعض الدول العربية والإسلامية، وعلى وجه الخصوص سوريا وإيران وتركيا وقطر.
وبذلك أرست تجربة حماس بالحكم قواعد اشتباك جديدة مع الاحتلال، وكان للشعب الفلسطيني دور مهم في احتضان التجربة، مع الألم والمعاناة والحصار التي اكتوى بها طوال مدة حكم حماس، إذ عوقب شعب بأكمله نتيجة خياره الديمقراطي، ومع ذلك يسجل لحركة حماس العديد من الإنجازات والإخفاقات، سنتناولها بالجزء الثاني من المقال.