مئات المستوطنين اقتحموا باحات المسجد الأقصى على شكل مجموعات متتالية في الأيام الماضية، ولا يزالون يقتحمونه على فترات مختلفة ومن عدة جهات أهمها باب المغاربة وباب السلسلة وباب الرحمة، وقد أدوا طقوسًا تلمودية و"السجود الملحمي"، والنفخ في البوق، وغيرها من الممارسات الاستفزازية داخل باحات الأقصى بحجة عيد “العرش اليهودي”، ويعد هذا الاقتحام الثاني منذ بداية شهر أكتوبر، إذ اقتحم مئات المستوطنين الأقصى المبارك قبل أيام تزامنًا مع "يوم الغفران"، تحت الحماية المشددة من شرطة الاحتلال.
إن اقتحام الأقصى مدبر ومخطط له مسبقًا، تلبية لدعوات “منظمات الهيكل” لاقتحامه جماعيًا، حيث الانتشار الكبير لشرطة الاحتلال لتسهيل دخول المستوطنين إلى المسجد الأقصى، وفي المقابل أعاقت تنقل المواطنين في باحاته، لإفساح المجال أمام اقتحام المستوطنين، والدليل الآخر هو انتشار قوات الاحتلال بكثافة داخل البلدة القديمة منذ ساعات الفجر الأولى لإعاقة وصول المصلين للمسجد، وفرضها قيودًا على دخول الفلسطينيين الوافدين من القدس وأراضي الـ48، وتدقيقها هوياتهم واحتجازها بعضها عند بواباته الخارجية، وقد أعطت الضوء الأخضر المستوطنين و"منظمات الهيكل" بمواصلة اقتحامه في "الأعياد اليهوديّة"، وتأكيدًا لذلك فقد منعت قوات الاحتلال وسائل الإعلام من تغطية اقتحامات المستوطنين بهدف التكتيم على أفعال المستوطنين في داخل باحات المسجد الأقصى، لماذا؟ قبل الإجابة على هذا السؤال، دعونا نعرف لماذا يستهدف الاحتلال المسجد الأقصى؟
اقرأ أيضًأ: اقتحامات الأقصى.. الصاعق الذي يتشكل
اقرأ أيضًا: الأقصى: استنكاراتكم بلا قيمة!
في العادة يقضي اليهود مثل هذه الأيام في معابدهم، إضافة إلى انتشارهم في المتنزهات والحدائق والشوارع وداخل العرائش المخصصة لتلك الطقوس، ولكن أطماعهم في الأقصى ازدادت في العقد الماضي، فقد طبق الاحتلال إجراءات جديدة لم يعهدها الأقصى من قبل، مثل السماح للمستوطنين باقتحامه وإقامة شعائرهم وطقوسهم التلمودية، ويزعم اليهود أن عيد العرش كان واحدًا من أعياد الحج الثلاثة التي كانوا يتوجهون فيها إلى المعبد جماعيًا وبكثافة، والذي تكون محطته الأخيرة داخل الأقصى وعلى مدار أيام العيد جميعها، بهدف جعل موطئ قدم للمستوطنين فيه، تمهيداً لسيناريو تقسيمه مكانياً وزمانياً والاستيلاء عليه كما استولوا على الحرم الإبراهيمي في الخليل، بناءً على توصيات رئيسة اللجنة الداخلية في "الكنيست" المتطرفة "ميري ريجيف"، حين نادت صراحة بإغلاق الأقصى في وجه المسلمين طوال فترة الأعياد التلمودية، وتخصيص الأقصى فقط لليهود خلال فترة الأعياد، ومنذ ذلك الحين عملت سلطات الاحتلال على تسهيل هذه الاقتحامات الجماعية بالآلاف للأقصى، وقد استبدلت سلطات الاحتلال قوات الشرطة بما يسمى قوة التدخل السريع “يسام"، لفرض التضييق ومنع المصلين الفلسطينيين. فالأمر لا يقتصر على تهويد حائط البراق وتحويله إلى ساحة للصلوات التلمودية، بل إن الاحتلال يتعمد في تسهيل اقتحامات الأقصى من المستوطنين، لتهويده بالكامل، ليحلو لهم العبث به وتدنيسه وهدمه لبناء الهيكل المزعوم، وما الحفريات والأنفاق التي افتعلوها أسفله، إلا لإضعاف أساساته وقواعده المتينة، وليس الهدف منها -كما يقولون- هو للبحث والتنقيب على المعالم اليهودية أو حطام المعبد في السنوات الغابرة، وهذا غير صحيح تاريخيًا، فقد بني الأقصى بعد الكعبة بأربعين سنة، أي قبل الديانة اليهودية، بدليل أنهم لم يجدوا أي شيء أسفله باعتراف خبراء آثار الاحتلال، أعتقد أن الإجابة أصبحت واضحة، أن الهدف هو سياسي وليس ديني، ألا وهو تحقيق إنجازات حزبية وأخرى انتخابية، لإرضاء المستوطنين والأحزاب الدينية المتطرفة التي تشكل السواد الأعظم لحكومة الاحتلال، الذي لم يعتبر من دروس المعارك السابقة مع المقاومة، لعودته من جديد إلى دائرة التصعيد بشأن الأقصى، معتقداً أن التكتم على جرائم المستوطنين سوف ينجيه من غضب المقاومة في غزة التي تطلق التحذيرات تلو التحذيرات بالرد على اقتحام الأقصى على غرار معركة “سيف القدس” قبل عامين، عندما أفسدت عليهم أعيادهم انقلبت إلى أحزان بصواريخها التي زينت أجواء أعيادهم بلهيب القصف، فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً.