اقتحامات المسجد الأقصى في فلسطين تُشكِّل ذروة التحدِّي «الإسرائيلي الصهيوني» للمشاعر الروحية عند عامَّة المسلمين ليس في فلسطين فقط، بل وفي أرجاء المعمورة، هذه الاقتحامات التي لم تهدأ منذ الاحتلال الكامل للمدينة بجزئيها الشرقي والغربي، ولكنَّها صارت في السنوات الأخيرة واقعًا شِبه يومي تقوم به عصابات التهويد والاستيطان، ومعها القوى التوراتية الحريدية في المُجتمع اليهودي على أرض فلسطين، بل وتصاعدت أكثر فأكثر مع صعود أحزاب «الصهيونية الدينية» وتربُّعها في مقاعد وزارية في ائتلاف حكومة نتنياهو، وأبرزهم الوزير المهووس إيتمار بن غفير، صاحب فكرة تشكيل ميليشيات مسلحة بموافقة الحكومة وإقرارها، وبميزانيات سخية وهو ما أُنجز مؤخرًا.
لقد شهدت السنوات الماضية قفزةً في أعداد مُقتحمي المسجد الأقصى من المُستوطنين المُستعمرين الذين جاؤوا لفلسطين من أصقاع المعمورة الأربع، وكانت أعدادهم تفوق الخمسين ألفًا في عمليات الاقتحامات المتكررة للأقصى عام 1922، وفق تقديرات دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، مقابل نحو تسعة وعشرين ألفًا عام 2018. وبالطبع لم يأتِ هذا التصاعد نتيجة جهود «منظمات المعبد» فقط، بل أيضًا عبر تضافر جهود أذرع الاحتلال الأمنيَّة والسياسية وأجهزة الشُّرطة في تسهيل حركة المستوطنين، ومن أجل تكثيف الوجود اليهودي في الأقصى، وتسهيل عمل وحركة واعتداءات المستوطنين على المقدسيين أبناء الوطن الأصليين.
وعلينا أن نتذكر أنَّه ومنذ عام 2015 وحتى اليوم، شهدت اقتحامات الأقصى في عيد ما يُسمَّى بـ»العرش» اليهودي سعيًا من شُرطة الاحتلال لفرض «التقسيم الزماني والمكاني للمسجد»، وهو ما رفضه بالمطلق الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات في مفاوضات كامب ديفيد الثانية صيف العام 2000 والتي انتهت إلى الفشل، وبعدها انطلقت شرارة الانتفاضة الكبرى الثانية.
الآن الجديد والمُستجد في هذا الأمر، وجود مساعٍ من تلك المجموعات اليهودية من مستوطنين وأحزاب حريدية ومجموعات «الصهيونية الدينية» وغيرهم، وهي تُعدُّ العُدة من أجل تكثيف أداء طقوسٍ يهودية علنية، وتثبيت حضور المستوطنين داخل الأقصى، والسَّعي لذبح القرابين في ساحات وباحات المسجد، وهو تحوُّل خطير جدًّا سيؤدي لانفجار الصاعق الذي تراكم البارود داخله، لتندلع انتفاضة فلسطينية كبرى تحرق الأخضر واليابس في وجه الاحتلال وكلِّ تجسيداته فوق الأرض الفلسطينية.
إنَّ تكتيكات جيش الاحتلال وأجهزة شُرطته، تتناغم مع مساعي المستوطنين، عبر عملها الميداني في القدس ومحيط المسجد الأقصى بنشر عناصرها وحواجزها الحديدية؛ لتقييد وصول المُصلِّين إليه خصوصًا في صلوات أيام الجُمَع، والتراويح في رمضان المبارك، والتدقيق في هُوِيَّاتهم، ومراقبة الحركة فيه، وتحييد الفلسطينيين حتى لا يقفوا في وجْه المستوطنين، وتستخدم القوَّة لفرض ذلك بدءًا بالاعتقال، ومرورًا بالضرب، وصولًا لإطلاق القنابل والرصاص.
فشُرطة الاحتلال تنتشر داخل الأقصى أو قريبة منه، بحيث تشرف على ساحاته، لمراقبة المرابطين في المسجد وتصويرهم، ويستخدمها قنَّاصة حرس الحدود والقوَّات الخاصَّة لإطلاق الرصاص صوب المصلِّين، في أثناء اندلاع المواجهات في الأقصى، تزامنًا مع اندلاع المواجهات في باحاته. كما وتتخذ تموضعات لها داخل المسجد.
صمود المقدسيين يتعاظم كلَّ يوم، ومراكمة العمل والفعل مستمرَّة من الصامدين من كُلِّ أبناء فلسطين على أرض المدينة المقدسة، وكُلِّ أرض فلسطين التاريخية.