في الوقت الذي بدأت فيه دور العرض السينمائية الأمريكية بعرض فيلم "غولدا" عن حياة رئيسة الحكومة الإسرائيلية غولدا مائير، ويتوقع أن يبدأ عرضه في بريطانيا بعد غد في السادس من أكتوبر، في ذات اليوم الذي تحيي فيه العديد من الأطراف الذكرى السنوية الخمسية لتلك الحرب، فإنها تعتبر مناسبة لتقديم قراءة نقدية عن حجم الدور الذي اضطلعت به "المرأة الحديدية"، كما كانت تحبّ أن تُسمّى. كثيرة هي البروباغاندا التي أحاطت بالفيلم وقصّته بغرض تسويق شخصية غولدا، التي افتقرت للخبرة في المجالين العسكري والأمني، ومع ذلك فإن كثيرًا من التحليلات الإسرائيلية تتحدث أنه لو كان تفكير ضباط الجيش والعديد من رجال الاستخبارات في حكومتها واقعيًّا مثل تفكيرها، لأتت الحرب مختلفة تمامًا، وربما حتى تم تجنبها.
مع العلم أن سلوك جيش الاحتلال، واستعداده لتلك الحرب، تأثرت بمفهومين تمت صياغتهما في ضوء تحليل منطق الجانب العربي ونواياه، لا سيما من جهة المعلومات الأمنية والاستخباراتية المراوغة، صحيح أنها معلومات استخباراتية، لكن قبولها من رئيس الأركان ووزير الحرب جعلها تتحوّل إلى مفاهيم لدى الجيش: الأول، والأكثر شهرة، أن مصر لن تبدأ حربًا حتى يتم تجهيزها بطائرات طويلة المدى لمهاجمة دولة الاحتلال، في حين أن سوريا لن تبدأ حربًا دون مصر، والثاني أن مصر وسوريا مردوعتان من جيش الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي فإنهما لن تخوضا حربًا، فضلًا عن حرب كبيرة.
اقرأ أيضًا: أين أنتِ يا "جولدامائير"؟
اقرأ أيضًا: غولدا مائير وإحراق الأقصى
الغريب أنه حتى في ساعات ما بعد الظهر من يوم 5 أكتوبر، بقي هذان المفهومان راسخين لدى المؤسسة الاستخبارية الإسرائيلية، رغم العلامات على الأرض التي تشير إلى قرب اندلاع الحرب بالفعل، لكن هذه العلامات المتكررة لاندلاع الحرب اعتبرتها تلك المؤسسة مجرد علامات فارغة، بزعم أن القوات الجوية للجيوش العربية ليست كافية لحرب لها أي فرصة للنجاح. لم يكن موقف "غولدا" في حينه واضحًا وهي تتلقى تقديرات متباينة ومعلومات متضاربة، رغم أنها في معظمها كانت مجرد تخمين، كما أثبتت ذلك وقائع الحرب في الأيام التالية، رغم أن معظم قادة الدولة في حينه من المستويات السياسية والعسكرية والأمنية تبنّوا الرأي القائل أن الدول العربية مردوعة، وبالتالي سوف تمتنع عن بدء الحرب. لقد أثارت الثقة الكبيرة التي أبدتها المؤسسات العسكرية والأمنية فيما يتعلق بخوف العرب من الجيش الإسرائيلي عددًا من الأسئلة في مداولات الحكومة التي تطرقت لهذه المخاوف الظاهرة، ومن الغريب أن الجواب الحاضر في حينه أن "العرب خائفون دائمًا"، استنتاجًا لما حصل في هزيمة الـ67 النكراء.