فلسطين أون لاين

خطاب بارنياع يثير تساؤلات أكثر مما يقدم إجابات

 توقفت الأوساط الأمنية والعسكرية الإسرائيلية مطوّلًا عند الخطاب الأخير الذي ألقاه رئيس الموساد، ديفيد بارنياع في مؤتمر معهد سياسة مكافحة الإرهاب (ICT) بجامعة رايخمان، ولا سيما حين أطلق جملة من التهديدات باتجاه إيران، خاصة نفوذها الإقليمي، والأموال التي ترسلها للعديد من الجبهات في المنطقة، دون منح تركيز معتاد على برنامجها النووي، الأمر الذي أثار ردود فعل إسرائيلية متباينة إزاء الخطاب، حتى داخل المنظومة الأمنية ذاتها، وهذه ليست المرة الأولى التي تصدر وجهات نظر متعارضة داخلها، وعلانية هذه المرة، صحيح أن التهديدات التي أطلقها بارنياع كان صوتها عاليًا وهديرها سمعت أصداؤه في العديد من عواصم المنطقة، وصولًا لإيران لكنها في الوقت ذاته كشفت عن مشكلة الموساد في التعامل مع التهديدات الإستراتيجية لدولة الاحتلال، وعلى رأسها الأسلحة النووية، لأن معظم الخطاب ركّز على التهديدات التكتيكية القادمة من الخلايا الإيرانية التي تحاول استهداف الإسرائيليين في الخارج، صحيح أن هذا تهديد خطير، لكنه ليس الأخطر، وفق معارضي بارنياع في خطابه.

اقرأ أيضًا: تخوفات إسرائيلية من شعور فائض الثقة لدى "الأعداء"

اقرأ أيضًا: تصاعد القلق الإسرائيلي من تزايد تهريب الأسلحة إلى الضفة الغربية

الإغفال اللافت في خطاب بارنياع للموضوع النووي الإيراني استحوذ على انتقادات إسرائيلية عديدة، لأن إحباط هذا المشروع هو من صميم عمل الموساد المكلف بمراقبة التهديدات الإستراتيجية، وعلى رأسها الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، في حين أن العمليات التكتيكية مثل مطاردة الوحدات المتنقلة بين العواصم مهمة، لكنها ليست الجوهر الأساسي لعمل الجهاز، مع أنه منذ 23 عامًا، يحاول الموساد تأخير أو إيقاف المشروع النووي العسكري الإيراني، وبالرغم من أن البحث على محرك غوغل سينتج عنه عناوين مذهلة حول هذه الجهود، لكن الواقع اليوم أن إيران لديها ما يكفي من المواد النووية المخصبة لبناء ست منشآت أو قنابل نووية، على الأقل وفق مزاعم وكالات الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية، وأجرت جميع التجارب على مكونات القنبلة في أوائل الألفية الثالثة إبان تعيين مائير داغان رئيسًا للموساد، وأمره شارون بتأخير البرنامج النووي الإيراني.

 يصعب على هذه السطور القفز عن جهود الموساد في مراقبة وإحباط التهديدات التكتيكية ضد العديد من الجهات من دول ومنظمات خارج الحدود، لكن في ذات الوقت، وفي القضايا الإستراتيجية، فيبدو أن هذه تحديات صعبة بالنسبة للجهاز، لذلك لم يكن عبثًا ألَّا يركز عليها بارنياع في خطابه غير المعتاد عليها، فقد جرت العادة أن "يعضّ رئيس الموساد، ولا ينبح"، ينفذ عملياته بصمت، ولا يترك خلفه بصمات تدينه، تحقيقًا للقاعدة الأمنية الإسرائيلية المعروفة باسم "العمليات النظيفة" في محاولة لنفي أي شبهة بتورطه فيها.