فلسطين أون لاين

التعليم والتعلم في المدارس العربية.. قصة واقعية

مع بدايةِ العامِ الجديدِ أحببتُ أن أشاركَ معكم قصّةً واقعيّةً تتعلّقُ بالتربية والتعليم في يومنا الحاضر، مع بعض التأمّلات. تدورُ أحداثها خلال الشهر الأوّل من العام الدراسيّ الحاليّ.

انتهت العطلة الصيفيّة، وتحمّست منى للعودة إلى المدرسة. ذهبت مع والدها ووالدتها لتشتري الكتب والزيّ المدرسيّ والحقيبة، وبالطبع الأقلام والمفكرة وغيرها من القرطاسيّة. منى تلميذة تتعلّم العربيّة والفرنسيّة والإنجليزيّة في مدرسة دوليّة.

عادت منى من المدرسة بعد اليوم الأوّل في الصفّ الثاني تردّد منزعجةً: "لا أحبّ المعلّمة، إنّها تصرخُ كثيرًا". ثمّ أخرجت من ملفّها ورقةً تحتوي على ستين كلمةً باللغة الفرنسيّة، كلّ 10 كلمات تُشكّل إملاءً أسبوعيًّا عليها تحضيره ومراجعته. يستمرُّ هذا حتّى منتصف شهر 10، موعد بداية إجازة منتصف الفصل الأوّل.

في الملفّ أيضًا بعض الأوراق التي يجب على أولياء الأمور تعبئتها: أرقام للتواصل في حال الطوارئ، وتصريح بأخذ الصور ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعيّ.

في اليوم الثاني حصلت على عشر كلمات جديدة، ولكن من معلّمة اللغة الإنجليزيّة للأسبوع الأوّل فقط. ومع بداية كلّ أسبوع، كانت تضاف كلمات جديدة على مفكّرتها لتحفظها.

مع نهاية الأسبوع، حصلت على حساب على تطبيق (seesaw) لإنجاز الواجبات المتعلّقة باللغة الفرنسيّة، والرياضيّات، والعلوم، واللغة الإنجليزيّة. وحصلت على بريدٍ إلكترونيٍّ وكلمة مرورٍ لتحميل واجبات اللغة العربيّة في ملفّ إلكترونيّ عبر "جوجل درايف".

وما يزال أهل منى ينتظرون رسالةً إلكترونيّةً من مدرّسيها ليتمّ التواصل بينهم، وليتعرّفوا إليهم من خلال رسالة ترحيبيّة وتعريفيّة.

وصل بريد إلكتروني من معلّمة اللغة الفرنسيّة فقط، ليتمّ التواصل، وحدّد موعد التعارف منتصف شهر 9. وبعد بضعة أيّام بدأت منى تتعلّم استخدام القاموس المدرسيّ للبحث عن الكلمات الصعبة. 

من خلال هذه القصة دعونا نتأمّل ونفكّر بما حدث خلال الأسبوع على جميع الأصعدة.

أوّلاً- بناء العلاقات: نشعر أن المعلّمةَ تعطي أهمّيّةً كبيرة للإملاء، ولم تتعرّف إلى الأطفال، ولم تستمع إليهم، ولم تتشارك معهم، والدليل أنّ لائحة الإملاء كانت جاهزةً من اليوم الأوّل، وأنّها كانت تريد من جميع التلاميذ الإصغاء لها، وكلّنا يعرف أنّه في يومنا هذا، على المدرّس أن يتكلّم أقلّ من المتعلّم، ويلعب دور الميسّر لعمليّتي التعلّم والتعليم.

ثانيًا- التعاون بين المعلّمين: ما زلت أجد أنّ الكثير من المعلّمين لا يتعاونون ولا يتّفقون على طرقٍ وأساليبَ موحّدةٍ، فسألت نفسي: لماذا لا يكتب التلميذ على نوع الدفتر نفسه باللغتين وبالطريقة نفسها؟ لماذا لم يحصل التلميذ على لائحتين مكتملتين باللغتين أو باللغات الثالثة؟ هل فعلًا الإملاء أهمّ شيء يجبُ تعلّمه والتركيز عليه خلال اليوم الأوّل من العام الدراسيّ؟ مع التطوّر التكنولوجيّ والذكاء الاصطناعيّ، يستطيع الهاتف الذكيّ أن يقوم بأعمال الكتابة ومن دون أخطاء.

سألت نفسي مجدّدًا: لماذا لم تبدأ المعلمة بالتواصل مع التلاميذ لتحديد أهدافهم الفرديّة لهذا العام؛ ما نقاط قوّتهم؟ كيف سيتخطّون العقبات التي ستواجههم؟ كيف سينظّمون أنفسهم؟ هل الإملاء من مهارات القرن الحادي والعشرين؟ وإذا فعلًا الإملاء مهمّ، لماذا لم تقم بتسجيل تلك الكلمات بصوتها أيضًا، ومشاركتها إلكترونيًّا ليتمرّن التلاميذ عليها.

ثالثًا- غياب قسم اللغة العربيّة عن مواكبة التطوّر: لمن لا يعرف، يُعدّ تطبيق (seesaw) من أسهل التّطبيقات الإلكترونيّة للتلاميذ. وهو يحبّبهم بالتّعلم، فتسجيل الصّوت أو الأفلام ضمنه، والتقاط الصّور، وتحميل الإجابات تتمّ بكبسة زرّ، ويستطيع طفل في صفّ رياض الأطفال التعامل معه.

سألت نفسي: لماذا لا تقوم مدرّسة اللغة العربيّة باستخدام التطبيق نفسه؟ لماذا نستخدم "جوجل درايف" الذي بحاجة إلى مساعدة وليّ الأمر، ولن يستطيع التلميذ استخدامه بسهولة؟ هل هذا يُشجّع على تحبيب التّلميذ باللغة العربيّة حين يشعر أنّه عاجزٌ عن إتمام الواجبات بمفرده، ويحتاج إلى مساعدة وليّ أمره؟

رابعًا- غياب التّواصل الفعّال مع أولياء الأمور: غياب التواصل مع أولياء الأمور يقلقهم، ولا يخلق علاقات إيجابيّة مع بداية العام. فكان من السهل جدًّا إرسال بريد إلكترونيّ تعريفيّ – ترحيبيّ بعد اليوم الأوّل، أو مع نهاية الأسبوع الأوّل، ويحتوي أيضًا على روابط إلكترونيّة لإعطاء المعلومات المطلوبة. فاستخدام(google survey)  يعدّ من أبسط الأدوات في يومنا هذا.

خامسًا- تعليم مهارات لم نعد نستخدمها: من منكم يستخدم القاموس في عصر "جوجل"؟! من الصعب جدًّا على المدرس الاستغناء عن بعض الدروس المتواجدة في الكتب، والتي يتبعها بشكل حرفيّ. لذا، يجب على مصمّمي المنهاج والمنسّقين أداء دور أكبر، والتأكّد من أنّ المهارات التي تدرّس فعلًا مرتبطة بالحياة والواقع. يجب حذف كلّ نشاط يقتل إبداع التلميذ، ويجعل منه متلقّيًا لمعرفة لم تعد صالحة لزمانه وحياته المستقبليّة، فمهارة البحث في القاموس الورقيّ كان ممكن استبدالها بمهارة التحقّق من المصادر على الإنترنت، لمعرفة إذا كانت مصادر موثوقة أو لا.