قبل 30 سنة، كان جزء من الحركة السياسية الفلسطينية متفائلاً بما ستؤول إليه اتفاقية أوسلو. من كان في عام 1993 بسن الخمسين، أصبح اليوم في الثمانين، وبعضهم عايش خيبات التفاؤل. كل المشروع التهويدي ومحاولات الأسرلة على امتداد فلسطين التاريخية ما كان له أن يصير سوى ما هو عليه كنظام فصل عنصري (أبرتهايد)، ونسف لأسس "حلّ الدولتين". والأمر لم يظهر فجأة، وهو ما يعترف به مسؤول "الموساد" الأسبق، تامير باردو.
حين حوصر الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، كان قد مرّ على أوسلو نحو 10 سنوات. وبدا أن الأمر لن يكون أعلى من سقف "سلطة حكم ذاتي"، وباستدعاء مكثف لممارسات نظام الأبرتهايد السابق في جنوب أفريقيا. فأقصى ما بجعبة المشروع الصهيوني - التلمودي هو تحسين وضع "كانتونات" (وربما إمارات منعزلة)، مع اكتساح الاستيطان، ليشمل كل شيء من دون استثناءات، وإطلاق يد جماعاته الإرهابية، واستهداف مستقبل فلسطينيي الـ48، لقمع أي تطلعات تحررية فلسطينية مستقبلا.
والأخطر هو استدعاء تجربة انخراط سود البشرة في جنوب أفريقيا في قمع "السكان" لتسود في فلسطين، وبحجج تافهة عن "الإرهاب" و"السلام"، وبانخراط أبواق مطبعين عرب في التسويق. هذا إلى جانب هجمة علاقات عامة صهيونية في أغلب القارات، أمام انكفاء عربي واضح.
اقرأ أيضًا: أوسلو يتناقض مع الاستقلال؟!
اقرأ أيضًا: النعش وآخر مسمار
كل ذلك تدركه الحركة والشارع الفلسطينيان. فعنق زجاجة أوسلو لا يستثني أحداً. وكل الوعي الذي ينشأ عن الأبرتهايد الصهيوني، وجهود حركة المقاطعة دولياً (بي دي أس)، يتطلب أن تقف الحركة الوطنية الفلسطينية، بكل تلاوينها، أمام حقيقة أن لا الشخوص ولا البرامج بمستوى مقاومة الأبرتهايد. فحالة الترهل والجمود، بكل ما يحمله ذلك من انقسام، وانكفاء داخلي وإقليمي، تصنع إحباطاً، بدل أن يستفاد من طاقات شبابية فلسطينية هائلة، داخلاً وفي الشتات. فمتى آخر مرة عرف الشارع الفلسطيني ممارسة حقيقية لديمقراطية الاختيار، وإظهار إرادته في مؤسساته وحركته السياسية؟
حالة الوعي بحقيقة دولة الأبرتهايد تتطلب حيوية مختلفة لأجل مراكمة ما راكمته الحركة الدولية نحو تفكيك وإنهاء الأبرتهايد في جنوب أفريقيا عام 1994 إلى غير رجعة.
بكلمات أخرى، والأمر لا يحتاج إلى خوف الاعتراف، فإن تأجيل وقفة جادة مع مستقبل برنامج التحرر الوطني، لأجل ألا تشيخ مع القائمين عليها، يعني المزيد من هدر الوقت والجهد. الشعب الفلسطيني الذي قارع وقاوم المشروع الصهيوني لثلاثة أرباع القرن يعرف أولوياته، ويدرك أدوات كفاحه، وله الأمر كله، ليقول كلمته الحاسمة في تقرير مصير ومستقبل تحرره.