في الوقت الذي تواجه فيه دولة الاحتلال مزيدًا من العزلة الدولية والمقاطعة العالمية بسبب سياساتها العدوانية ضد الفلسطينيين، والانقلاب القضائي الجاري تنفيذه في الأشهر الأخيرة، فإنها تحاول البحث عن ركائز للدعم والإسناد أمام حالة النبذ والرفض الجارية لها، يتزامن ذلك مع حالة الصعود المتنامي لليمين الأوروبي في الانتخابات الأخيرة بصورة تفرض وقائع جديدة على الخريطة السياسية: داخليًا وخارجيًا، وهذا الاتجاه ملحوظ خاصة في دول الجناح الشرقي للاتحاد الأوروبي، ولا سيما بولندا، والمجر، وإيطاليا، والسويد، مع العلم أن انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي مثَّل أيضًا في بعض تعبيراته ترجمة للعقلية المحافظة.
اقرأ أيضًا: كيف تنتصر (إسرائيل).. وكيف تُهزم؟!
اقرأ أيضًا: الوحش الذي ربّته (إسرائيل) ينقلب عليها
لا تتوقف التوجهات اليمينية الجديدة للأحزاب الأوروبية عند البرامج الاجتماعية، والاقتصادية، الداخلية لدولها، بل تتعداها الى مواقف سياسية ذات سمات عنصرية وفاشية، وأحيانًا ذات جذور نازية، وجدت نفسها متوائمة، وأحيانًا متطابقة مع اليمين الإسرائيلي، ولا سيما في نسخته الأكثر بشاعة بالحكومة الحالية التي بدأت مهامها مع بداية العام الجاري، ولا تخفي تودّدها لنظيراتِها اليمينيّات في عواصم الاتحاد الأوروبي، التي تدرك أهمية قوتها السياسية تجاه بقية الحكومات التي لا تخفي رفضها للسياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مع أن دراسة تأثير الاتجاه المتنامي لليمين الأوروبي الصاعد في الموقف تجاه دولة الاحتلال، يمكن تحسّسه بنتائج دراسة أجرتها مؤسسات بحثية أوروبية مؤيدة للاحتلال، كشفت أن أحزاب اليمين المحافظ هي الأكثر احتمالًا من غيرها للتصويت لصالحه، ولا سيما في دول بولندا، وإيطاليا، وبلغاريا، والتشيك، وسلوفاكيا، في حين تأتي الأحزاب اليمينيّة في إسبانيا، وقبرص، وإيرلندا، في أسفل قائمة المؤيدين للاحتلال، في المقابل، فإن النخب السياسية والفكرية اليمينية في أوروبا تنظر لدولة الاحتلال بأنها كيان يضرب جذوره في الثقافة الأوروبية، وتمثّل نوعًا من الامتداد الأوروبي في الشرق الأوسط، وتتحمل مسؤولية "أخلاقية" عن إنجاز المهمة "المسيحية" للتكامل مع أوروبا، بالرغم من أن هذه الدولة تحمل مبادئ شوفينية قومية، وعنصرية عرقية، وتسعى لتوظيف أحقاد الماضي الأوروبي في المنطقة العربية والإسلامية لتنفيذ أجندتها المستقبلية، في الوقت ذاته، فإن عدم وجود استعداد إسرائيلي لإجراء تسوية كبيرة للصراع مع الفلسطينيين قد يؤدي إلى تفاقم المشكلة، حتى من وجهة نظر اليمين الأوروبي الموالي لإسرائيل، الذي يعتقد أن "إسرائيل" الجديدة ما تزال أسيرة للنموذج القومي الديني الذي ساد في أوروبا في القرن التاسع عشر، في حين أن أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت في مسافة متقدمة عن مرحلة ما بعد القومية، في حين أن دولة الاحتلال ما تزال تمعن في تعريف نفسها بأنها "دولة يهودية"، ما يستدعي إعادة عقارب الساعة الى الوراء، ويسهم في إدامة الصراع، وليس حلّه.