ما زال الإسرائيليون يعيشون مرور مناسبة ثلاثين عامًا على اتفاق أوسلو الذي تصفه قطاعات كبيرة منهم بأنه "حماقة وكارثة"، بزعم نتائجه السلبية عليهم، رغم ما حققه لهم من إنجازات سياسية وأمنية اختصرت عليهم عقودًا طويلة من الصراع.
في هذه المناسبة صدرت العديد من محاضر اجتماعات مجلس الوزراء الذي وافق على اتفاقيات أوسلو، وقد كشفت الرقابة العسكرية عن العديد من محتوياتها، وأبقت جزءًا آخر طيّ الكتمان، وقد يفرج عنه بعد سنوات أخرى، لأنه يحتوي على أسرار أمنية وعسكرية يصعب البوح بها في هذه المرحلة الزمنية، ومع ذلك فإن ما كشف عنه يستدعي القراءة والتمعّن، ليس فقط للمهتمين بالسياسة الأمنية لدولة الاحتلال أو سياساتها، بل حتى للفلسطينيين كي يتعرّفوا على طبيعة الأداء التفاوضي الإسرائيلي.
عديدة هي المآخذ التي يعلنها اليمين الإسرائيلي تجاه اتفاق أوسلو، وأهمها أن وزراء الحكومة آنذاك تم استدعاؤهم للموافقة على اتفاقية لم يشاركوا في صياغتها وتصميمها، والزعم أن رابين وبيريس كانوا معنيين بألا تنشأ معارضة داخل الحكومة، ولذلك فقد بذلا جهودًا حثيثة داخل أعضاء الائتلاف الحاكم آنذاك، بدليل أن الاتفاق حظي بموافقة 16 وزيرًا، وامتناع وزيرين فقط عن التصويت.
اقرأ أيضًا: انقسام إسرائيلي بشأن اتفاق أوسلو في ذكراه الثلاثين
اقرأ أيضًا: لماذا لم يحتفل الشعب بذكرى تأسيس منظمة التحرير؟
تفاصيل جديدة تكشفها محاضر الحكومة للتوقيع على اتفاق أوسلو في مثل هذه الأيام من عام 1993، أهمها ما تحاول أوساط اليمين الإسرائيلي ترويجه بالزعم أن التوقيع على الاتفاق كان قسريًا، قبل إحضاره للحكومة التي كان عليها أن تدعمه بالكامل، دون أن يصوّت أيّ من أعضاء الحكومة بالاعتراض عليه، لأن كل من يجرؤ على التصويت ضده فكأنه يوجه "صفعة" على وجه زعيم الائتلاف ورئيس الوزراء، رابين وشريكه بيريس، وبالتالي فإن ذلك سيؤدي عملياً لسقوط الحكومة، وهو آخر ما تمناه الوزراء آنذاك.
في الوقت ذاته، فإن قدرة رابين وبيريس على تدجين أعضاء الحكومة لم تقتصر عليهم فقط، بل وصلت إلى الجيش والمؤسسة العسكرية، بزعم أنه استبعد من مفاوضات الاتفاق، مع العلم أن البروتوكول المعلن يظهر أن رئيس الأركان آنذاك إيهود باراك ظهر أكثر تأكيداً في إبداء التحفظات على الاتفاقية التي وصفها في حينه بأنها "مليئة بالثقوب مثل الجبن السويسري".
الخلاصة أنه رغم ما قدمه اتفاق أوسلو للاحتلال من إيجابيات لافتة وجدت طريقها في حفظ أمنه، وشرعنة مصادرة أراضي الفلسطينيين، وترسيخ الاستيطان، لكن الإسرائيليين المعروفين بجشعهم الدائم، وعدم توقف أطماعهم، ما زالوا يعدونه تجسيدًا لـ"مسيرة الحماقة" السياسية التي ارتكبها رابين وبيريس وفريقهما، بزعم أنه كان أمامهما مسار عمل بديل يمكن اتخاذه، مقابل عدم تقديم ما يعدونه "تنازلات" وهمية للفلسطينيين.