طويلة هي قائمة الجرائم التي لا يتورع الاحتلال الإسرائيلي عن ارتكابها ضد الشعب الفلسطيني، حتى أن أحدنا ليشفق على المنظمات الحقوقية وباحثيها الميدانيين، وهم يرصدون ويوثقون هذه الجرائم المتزايدة يومًا بعد يوم ضد الفلسطينيين، حتى وصلت آخرها إلى تعمد الاحتلال "تعطيشهم"، وحرمانهم من مصادرهم المائية، بل والإقدام على تلويث مياههم الجوفية في الضفة الغربية.
أكثر من ذلك، فإن جيش الاحتلال لا يخفي مسئوليته في هذا الحر الشديد عن إغلاق عدد من الآبار المائية المستخدمة لريّ الأراضي الزراعية الفلسطينية، بزعم أنها تضرّ بإمدادات المياه الطبيعية، وتشكل مصدرًا محتملاً لتلوث طبقة المياه الجوفية، وهذه كلمة حق يراد بها باطل، لأن الأضرار المزعومة تساوي صفرًا مقارنة بنظيرتها التي يلحقها الاحتلال بالمياه الجوفية، وقدرة الفلسطينيين على التمتع بحق أساسي مثل المياه.
بلغة الأرقام، يحصل 36% فقط من فلسطينيي الضفة الغربية على إمدادات المياه الجارية لمنازلهم على مدار العام، بسبب سياسة التعطيش التي يقوم بها الاحتلال ضدهم، في حين يحصل 47% منهم على المياه الجارية أقل من عشرة أيام شهريًّا، ويبلغ متوسط الاستهلاك الفلسطيني اليومي عام 2020 حوالي 82.4 لترًا للفرد، أي أقل من متوسط 100 لتر للفرد الموصى به من منظمة الصحة العالمية، أما في التجمعات الرعوية الفلسطينية المعزولة، ويبلغ عدد سكانها عشرات الآلاف، وغير متصلة بالبنية التحتية، فيبلغ الرقم فقط 26 لترًا للشخص الواحد يوميًّا، بما يشبه الاستهلاك في مناطق الكوارث.
اقرأ أيضًا: كيف نطالب بمياهنا وحقوقنا الكاملة فيها؟
اقرأ أيضًا: إذا تحرك الفلسطينيون، حركوا المياه الراكدة
في المقابل، وهنا يتجلى الفصل العنصري بأبشع صوره، فإن متوسط استهلاك الفرد اليومي من المياه بدولة الاحتلال يبلغ 247 لترًا، ثلاثة أضعاف استهلاك الفلسطينيين، بل أعلى بكثير من المتوسط الأوروبي الذي يبلغ 144 لترًا.
لا تبدو سياسة التعطيش الإسرائيلية بحق الفلسطينيين وليدة اللحظة، أو منفصلة عن سياقاتها التاريخية، فقد شهد عام 1967 صدور مرسوم عام ينقل جميع السلطات على مصادر المياه في الضفة الغربية لسلطات الاحتلال.
أما اتفاق أوسلو، الذي نحيي ذكراه الثلاثين هذه الأيام، فقد أنشأ ترتيبات في قطاع المياه في الضفة الغربية، ونظم استخدام الفلسطينيين للمياه الجوفية الجبلية فقط، في حين تم تأجيل بحث استخدام مياه غور الأردن إلى الاتفاقيات الدائمة، وهو ما لم يحدث قط، وقد حدّد الاتفاق المؤقت إنتاجاً فلسطينيًّا سنويًّا قدره 196 مليوناً مكعباً، مقابل 483 مليوناً مكعباً للاحتلال.
فيما وجد تقرير البنك الدولي أن الفلسطينيين يتمتعون عمليًّا بحق الوصول إلى 20% فقط من المياه الجوفية الجبلية، والحق في استخدامها، ورغم الزيادة السريعة في عدد الفلسطينيين، لكن حصصهم من المياه بقيت كما هي، ما يعني عجزاً مضاعفاً لصالح إمداد المستوطنات المقامة بصورة غير شرعية على أراضيهم ومزارعهم بالمزيد من كميات المياه التي تزيد على حاجتهم.