يمثل تخطيط قوة العمل جانيًا إنسانيًا في مسار التخطيط الوطني، ولا سيما الاقتصادي والاجتماعي منه، حيث أنه عملية قائمة على تعظيم الاهتمام بالمورد البشري مما يضفي جانبًا إنسانيًا نبيلًا، كما يرتبط نجاح خطط التنمية بتوفير الاحتياجات اللازمة من القوى العاملة كمًّا وكيفًا وفي الوقت والمكان والمستويات المناسبة حاليًا ومستقبلًا، ولقد انعكس الاهتمام بتخطيط القوى العاملة كمكون من مكونات التنمية البشرية والاقتصادية في جهود العديد من المنظمات الدولية كاليونسكو، ومنظمة العمل الدولية، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية والاتحاد الأوروبي وتشجيعها على تطبيق الأساليب الحديثة في التخطيط بهذا المجال، كما أنه مجال خصب للتخطيط الوطني على مستوى الدول التي تسعى لتنمية مواردها فهو لا يقل أهمية عن الأهداف الاقتصادية للدول والشعوب وذلك بضمان حق العمل اللائق للمواطن واستمرار تطويره.
إن تخطيط قوة العمل بمفهومه العلمي لا ينحصر في التخطيط الاستراتيجي للقوى العاملة وتحليل العرض والطلب فقط، بل يشمل إجراءات إدارة قوة العمل، وتطوير إستراتيجيات التشغيل والتوظيف والتأهيل لقوة العمل في السوق، وكذلك جميع الأساليب والآليات التي تقوم بتنظيم كل ما يتعلق بالموارد البشرية بالدولة، وربطها بالفرص التشغيلية في سوق العمل.
وتنعكس أهمية ذلك جلية في إعطاء الأولوية للعنصر والجانب الإنساني لكونه المورد الأهم، وانطلاقًا من الاهتمام برفاهية الإنسان، كما أنه المدخل الرئيس للتحكم في كمية العرض والطلب في السوق، ما يسهم في تحديد المهارات والكفايات اللازمة للنمو الاقتصادي، سعيًا إلى التشغيل الكامل والقضاء على البطالة كمعضلة اقتصادية اجتماعية تعانيها الدول، وبالتالي زيادة نصيب المواطن من الدخل القومي ورفع حصته في الناتج الإجمالي.
اقرأ أيضًا: العرض والطلب في سوق العمل
اقرأ أيضًا: مؤشرات سوق العمل
وتمر عملية تخطيط قوة العمل بجملة من المراحل أولها، التحديد المرتكز على الإحصاءات الدقيقة والمؤشرات المحدثة بشأن سوق العمل وجوانب العرض والطلب في قوة العمل المتاحة والمُمكنة واللازمة، ويتبع ذلك مرحلة خاصة بالتخطيط التشغيلي والإستراتيجي لتوظيف وتشغيل وتطوير قوة العمل للوصول إلى التشغيل الكامل والاستفادة القصوى من قوة العمل المتاحة مع تدشين البرامج اللازمة للتطوير بما يتناسب مع مستجدات سوق العمل واحتياجاته، ويتزامن مع ذلك مرحلة خاصة بالتوقع المرحلي والمستقبلي لقوة العمل كمًا ونوعًا على مستوى النشاط الاقتصادي عامة أو على المستوى القطاعي، ما يستوجب تحديدات خاصة بالتوقعات السكانية والنشاطات الاقتصادية والإنتاجية، والأنظمة التعليمية والتدريبية المطلوبة مع التحديد لتركيب هيكل القوى العاملة الحالية وحجمها وتوزيعها والتغير الذي طرأ عليها في الفترة أو الخطة السابقة، والتركيب المهني لقوة العمل الحالية والمطلوبة والحالة التعليمية في كل قطاع ومستويات المهنة.
وعلى الرغم مما ذكر أعلاه من أهمية تخطيط قوة العمل في السوق إلا أنها تواجه تحديات عدة، منها على سبيل المثال لا الحصر مشكلة عدم وضوح أو تفعيل السياسات التنموية الاقتصادية، وهذا ما يتسبب في عدم الربط بينها وبين تخطيط قوة العمل، بل ربما تمتد إلى غياب التخطيط لها، كما أن الافتقار إلى البيانات الإحصائية والمؤشرات الاقتصادية في هذا المجال تتسبب في تثبيط عملية تخطيط قوة العمل.
وختامًا... فإن المتابع لقوة العمل المتاحة والإحصاءات الدورية المحلية في قطاع غزة بشأن معدلات المشاركة في قوة العمل ونسب البطالة وغيرها من المؤشرات الهامة يدرك الأهمية المتنامية للتخطيط لقوة العمل والموائمة كمًّا ونوعًا بين المعروض والمطلوب منها، ببرامج التعليم والتدريب والتشغيل وبناء السيناريوهات الخاصة بالتوقعات لخطط قوة العمل، فالعنصر البشري أهم ما نملك وهو المورد الأصيل لدينا.