فلسطين أون لاين

​موسم الزيتون يجمع الكلّ الفلسطيني ويثير الحنين

...
غزة - رواء أبو معمر

يحتضن الفلسطينيون شجرة الزيتون، الضاربة جذورها في عمق الأرض، والمتشبثة بالحياة، والتي كلما اقتلع منها الاحتلال غصنًا نمت فيها حقولل، هذه الشجرة المقدسة تجمع القلوب والألوان والأطياف كافة تحت أغصانها الشامخة، كدليل على أن الكل الفلسطيني صاحب هدف واحد وهو تحرير الأرض من مُحتلها الغاشم.

ولمواسم "جدّ الزيتون" نكهة خاصة، وطقوس لم تغيّرها التكنولوجيا، فيها قدر كبير من الحنين واسترجاع الذكريات..

لا فرق

المزارع هاني النجّار، والبالغ من العمر 56 عامًا، يقول في حديثه لـ"فلسطين" إن "موسم جني الزيتون له الكثير من المعاني، ويحمل ذكريات الماضي الجميل، ففي كل مرة يبدأ الموسم, أتذكر حينما كنت طفلا واصطحبني أبي لأول مرة للجني، أتذكر جيدا تقاسيم وجهه المشعة بالفرح وهو يشرح لنا كيفية القطف، وعن حبه للشجرة وعنايته بها منذ أن توفى جدي, وهو مثل كل رجل فلسطيني، أصّل فينا حب الأرض والشجرة، وها أنا أنقل هذا الحب لأولادي".

ويضيف أن موسم الزيتون لا فرق فيه بين الفلاح، والبدوي، وابن المدينة، فكلّهم يذهبون مع عائلاتهم إلى الأرض، ويتجمعون حول الشجرة، ليقطفوا حبات الزيتون، بينما هم يتبادلون الأحاديث والحكايات، لا سيما حكايات تاريخ الشجرة، وتعلقهم بها، ويخلقون جوًا من المرح واللعب.

ويشير إلى أن موسم القطف يبدأ بالتزامن مع "تصليبة الصليب" أو "مطرة الصليب" وهما مصطلحان متعارف عليهما، ويعنيان المطر الخفيف الذي يهطل في أواخر سبتمبر، مستذكرا المثل الشعبي "لما يصلب الصليب ما ترفع عن زيتونك القضيب"، دلالة على إمكانية "جدّ" الزيتون في هذا الموعد.

في أرضه التي تمتد على مساحة تسعة دونمات، يزرع العم أبو محمد ما يزيد عن 150 شجرة زيتون، يجتمع هو وعائلته في منتصف شهر أكتوبر من كل عام، لجنيه وتجهيزه للعصر.

ويلفت إلى جمالية العمل العائلي في أحضان الكروم والطبيعة، وأن هذه الأجواء تمنح لمن يعيشها فرصة الهروب قليلا من ضجيج الحياة العصرية.

ويبين أن زيت الزيتون الذي يحصل عليه من محصول أرضه يختلف كثيرا عن الزيت الذي يشتريه، نظرا لعدم خلطه بأي أنواع أخرى من الزيوت، علاوة على كونه من إنتاج الشجر الذي تعب في ريّه طوال العام.

النجّار يدعو كافة الفلسطينيين، خاصة الجيل الناشئ، إلى زرع شجر الزيتون، والحرص علي رعايته، للحفاظ على التراث، وللتأكيد على تشبث الفلسطيني بأرضه بالرغم من محاولات الاحتلال المتواصلة تهويد الأرض والوطن، متحدثا بمرارة عن "الخطر الكبير الذي تسببه التكنولوجيا الحديثة في لهو الأجيال الجديدة وعزوفها عن الاهتمام بالشجرة".

عامرةٌ بأصحابها

فيما شبه المزارع "محمد قديح" موسم قطف الزيتون بـ"العرس الوطني"، إذ يقول: "جميع الحقول والأراضي في موسم الزيتون تكون عامرة بأصحابها، فالناس يصطحبون عائلاتهم لجني الثمار، وهذا مشهد يشعرني بالدفء وبالتمسك بالأرض".

ويضيف لـ"فلسطين": "أرضي تقع على الحدود الشرقية لمحافظة خانيونس، دمرها الاحتلال عدة مرات، وفقدت الكثير من أشجار الزيتون، إلا أنني أُصر على زراعتها والاهتمام بها، فهي مصدري للحصول على زيتون من كد جبيني، ولأنني أستمتع بطعمه أكثر من أي زيتون آخر، كيف لا وأنا الذي أزرعه وأرعاه بيدي".

ويعدّ "قديح" موسم الزيتون من أجمل الأيام في السنة، حيث تجتمع العائلة في مكان واحد، وسط أجواء من الفرح والمرح، مبينا: "أجمع أطفالي وأبناء الحي من ساعات الفجر الأولى، نتعاون سويا في قطف الزيتون، فيجمع أحدنا حبات الزيتون التي تتساقط على الأرض، وآخر يساعد في فرش قطع مخصصة نضعها تحت الأشجار، وغالبا ما تكون من النايلون".

أضرار

بعد جني الزيتون، يأتي دور عصر كميات منه، وهنا تظهر مشكلة يشكو منها أصحاب المعاصر في القطاع، وهي انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة.

ويقول صاحب إحدى المعاصر، محمد عودة، إن انقطاع الكهرباء المتواصل يعطل عمل المعاصر، ويتسبب في تلف كميات كبيرة من الزيتون، ويلحق الضرر بمصالح المزارعين الذين ينتظرون عصر محصولهم.

ويضيف أن توقف المعاصر يمثّل كارثة بالنسبة لأصحابها، فهم ينتظرون هذا الموسم سنويا ليعيلوا عائلاتهم من عائده المادي، مطالبا المواطنين بالاعتماد على المنتج المحلي من زيت الزيتون، المتميز بجودته، بدلا من الاستيراد من الخارج.

"فلسطين" تحدّثت مع عدد من أصحاب معاصر الزيتون، وأجمعوا كلّهم على معاناتهم من هذه المشكلة، لافتين إلى أنه في حال استمرار وضع الكهرباء على ما هو عليه الآن، فلن يستطيعوا مواصلة عملهم، وستتوقف معاصرهم، مما يعني تكبّدهم خسائر فادحة.

وتعمل في قطاع غزة 29 معصرة زيتون، منها 21 معصرة "أتوماتيك"، وسبع معاصر "نصف أتوماتيك" ومعصرتان بنظام "حجر قديم".

وتُقدّر المساحة المزروعة بأشجار الزيتون في قطاع غزة، حسب إحصائية وزارة الزراعة الفلسطينية بنحو 38 ألف دونم، تنتج 25 ألف طنا من الزيتون، وتُقدر احتياجات سكان القطاع من الزيت سنويا بأكثر من 360 ألف طن.

ويُشتهر قطاع غزة بثلاثة أصناف من الزيتون، هي "السُري" و"الشملالي" و"k18"، ويميل الغزيون إلى صنف "السُري"، لكن الفحوصات المخبرية تثبت أن زيت "k18" هو الأكثر جودة وصحة.

وحسب وزارة الزراعة، فإن موسم الزيتون الحالي يشهد تراجعاً في الإنتاج بنسبة 30% مقارنة بالعام الماضي بسبب ظاهرة المعاومة التي تعني تفاوت الحمل من عام لآخر في أشجار الزيتون حيث من المتوقع أن يراوح إنتاج الأشجار المثمرة من 18 إلى 20 ألف طن هذا العام.