مهمّ أن تبدأ هذه الأسطر بلغة الأرقام الصادمة، التي تكشف أن إحصائيات الجريمة المنظمة بين فلسطينيي 48 أسفرت عن مقتل قرابة 160 فلسطينيًا فقط مع طيّ الشهر الثامن من عمر حكومة اليمين، بارتفاع بلغ 50 بالمائة عن العام المنصرم 2022 الذي شهد مقتل 106 فلسطينيين، أمَّا في عام 2021 فقد قُتل 126 فلسطينيًا، ولا يزال أمامنا أكثر من أربعة أشهر حتى نهاية العام.
إن تصاعد معدلات هذه الجريمة بصورة مخيفة، فرصة لتوجيه المزيد من الاتهامات لحكومة الاحتلال، ووزير أمنها القومي المتطرف "إيتمار بن غفير" الذي لا يخفي عداءه لفلسطينيي 48، وبالرغم من أنه منذ تسلمه منصبه يبدي انزعاجه من مواصلة هذا المسلسل الدامي، لكن الجميع اعتاد على أكاذيبه وتصريحاتِه العنصرية، وهو الذي أطلق في نوفمبر 2015 في حفل تأبين الحاخام العنصري مائير كاهانا شعار "الموت للعرب".
إن النتيجة الدموية لتفشي الجريمة تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن "بن غفير" ألقى بكل الحلول العلاجية للجريمة في سلة المهملات، بكل وقاحة وبذاءة، وسمح بإراقة الدماء بين فلسطينيي 48 دون عائق، ليس فقط لأنه لا يهتم بقتلهم، بل لأنه جعل من هذه الجرائم مقدمة لنشر المزيد من النظريات العنصرية ضدهم.
اقرأ أيضًا: فلسطينيو الـ48 نحو مزيد من الاستهداف الإسرائيلي
اقرأ أيضًا: الحكم العسكري.. ذريعة الاحتلال لمواجهة الجريمة بين فلسطينيي 48
صحيح أن العودة للسيرة الذاتية لابن غفير تكشف أنه كرّس سنوات شبابه منخرطًا في عصابة شيطانية اسمها "فتيان التلال"، لكن السبب الحقيقي في المكانة التي وصلها في السياسة الإسرائيلية يعود بالكامل لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، العنصري المجرم المدان، الذي كلّف مجرمًا آخر ليكون الوزير المسؤول عن تطبيق القانون بين فلسطينيي 48، لكنه دعم حالة الإهمال الهائل في أوساطهم، ولئن تفرّغ نتنياهو في سنواته في السلطة للقضاء على الجريمة المنظمة بين اليهود، لكنه لم يلقِ بالًا لاستمرارها بين فلسطينيي 48.
لقد كشفت سنوات نتنياهو في الحكم عن فجوة في التعامل مع ظاهرة الجريمة المتفشية في أوساط فلسطينيي 48، بالرغم من أنها أصبحت أكثر حدّة، لأن حكوماته المتعددة أهملتهم منذ سنوات، والمفهوم الذي ترسخ بين الأوساط الحكومية أن "هذا هو الحال بينهم، يقتلون بعضهم، ولا يتعاونون معنا"، بالرغم من أن هذا هراء عنصري يضخ من السياسيين والإعلاميين، كما لو أن هذه الجريمة منتشرة في دول أخرى، ولا توجد في المناطق المحيطة بالإسرائيليين أنفسهم.
إن من يتصور، مجرد تصور، أن الجريمة المنظمة التي تجتاح البلدات والمدن والقرى الفلسطينية المحتلة، قد تحل من وزير عنصري، بدأ شبابه كارهًا للعرب والفلسطينيين، ولم يتردد في الصراخ "الموت للعرب"، وأعلن أن "حقه بالسفر على طرق الضفة الغربية بأمان يفوق حق الفلسطينيين في السفر عليها"، يبدو أكثر من واهم، يغالط نفسه، ويتجاهل الحقائق الدامغة على الأرض.