فيما يتواصل نزيف الدم الفلسطيني بين فلسطينيي 48، بسبب تفشي ظاهرة الجريمة المنظمة، فإن التواطؤ الذي يبديه الاحتلال تجاهها، وصل طريقه إلى حدّ محاولة العودة بالتاريخ للوراء بفرض الحكم العسكري القديم على الداخل المحتل، وهو الذي سمح لآفة الجريمة بأن تتفاقم، ويغضّ الطرف ويتجاهل تحذيرات وطلبات وخطط العلاج، في حين تأتي الحكومة الفاشية لقطف ثمار الفوضى الدموية، وتسعى لإدخال المزيد من الأساليب القمعية للاحتلال.
غريبة هذه الأحداث التي جعلت من تصاعد الجريمة المنظمة متزامنة مع استلام عدوّ الفلسطينيين الأكثر وحشية، وهو "بن غفير"، الملقب إسرائيليًا بأنه وزير "الفوضى" القومية، لأنه اعتبر تفشي هذه الجريمة غنيمة كبيرة، وفرصة ذهبية لاستغلال دمائهم من أجل إعادة تطبيق الحكم العسكري الذي ساد في السنوات الأولى من الاحتلال بعد عام 1948، بما في ذلك إقحام جهاز الأمن العام-الشاباك، بزعم أخذ دور في محاربة الجريمة، بالرغم من معارضة النائب العام ورئيس الشاباك نفسه.
واللافت أيضًا أن "بن غفير" يسعى للحصول على المزيد من الصلاحيات بعيدة المدى، تشمل، من بين أمور أخرى، سلطة الأمر بتنفيذ الاعتقالات الإدارية، على غرار السلطة التي يحوزها وزير الحرب تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلتَين، مع أن كل المؤشرات الميدانية تؤكد أن "بن غفير" هذا ليس قلقًا حقًا بشأن الأمن الشخصي غير المستقر لفلسطينيي 48.
ما من شك أن حكومة اليمين الفاشي التي لا تخفي عداءها لفلسطينيي 48، وتعدهم تهديدًا من داخل الدولة، تريد حقًا إعادة عقارب الساعة إلى الوراء باستنساخ نموذج مصغر للحكم العسكري الذي ساد في سنوات الاحتلال الأولى، واستخدام ذلك لتجديد سياسة الاعتقال الإداري بحق قادة فلسطينيي 48، بزعم محاربة الجريمة، مع أنه منذ بداية العام الجاري اعتقل الاحتلال إداريًا أكثر من ألف فلسطيني، منهم 10 قاصرون، وهو أكبر عدد في عقدين من الزمن.
إن استخدام الاحتلال الاعتقالات الإدارية في أوساط فلسطينيي 48 لا علاقة له بمحاربة الجريمة، بل هو أداة شديدة القسوة ومتطرفة بغرض القمع السياسي، تجعل الفرد يسجن طيلة حياته دون لائحة اتهام أو إجراءات قانونية، ولو كانت شكلية، واعتباره أداة تكميلية لتجريم المقاومة الفلسطينية من أجل التحرير، وقد تكون مدخلًا لتعميق تجريم النشاط السياسي لفلسطينيي 48.
الخلاصة الإسرائيلية أن النظرة الأمنية البحتة لمكافحة الجريمة في أوساط الداخل المحتل، ينطلق من اعتبار أهلنا من فلسطينيي 48 تهديدًا ديموغرافيًا وسياسيًا وأمنيًا، مع أن عداء "بن غفير" ليس منفصلًا عن عداء موقف المؤسسة الإسرائيلية الرسمية تجاههم، التي لا تخفي استغلالها لدماء الضحايا، التي ما تزال تراق، كذريعة للترويج لتطلعاتِها الفاشية.