قد تختار حكومة المستوطنين الفاشية معاقبة غزة اقتصاديًّا، وتعفي جيشها من مواجهة غير مضمونة العواقب مع رجال المقاومة في قطاع غزة، ولكن العقوبات الاقتصادية على غزة المحاصرة، ستدفع باتجاه المواجهة، فلن تقبل قيادة غزة أي عقوبات، تزيد من الضائقة الاقتصادية على الناس، وتزيد من الضغط الجماهيري على قيادة غزة، وتربك حسابات الاستقرار الأمني.
العقوبات الاقتصادية بمثابة إعلان حرب على غزة، والعدوانات العسكرية الإسرائيلية، سواء كانت ضد أفراد، أو ضد مقرات، بمثابة إعلان حرب على غزة، والحرب قد يخشاها جيش الاحتلال، ويكون حذراً منها، فيما لو كانت الحياة السياسية داخل المجتمع الإسرائيلي تسير على ما يرام، ولكن واقع الحياة داخل المجتمع الإسرائيلي، وقد أربكه الانقسام، تدفع باتجاه التصعيد مع غزة، وقوة الدفع للتصعيد مصدران:
المصدر الأول: هم أولئك المتطرفون حلفاء الحكومة، والذين راحوا يتذمرون من ضعف ردة الفعل، ومن تنامي فعل المقاومة في الضفة الغربية، بحيث أمست حياة المستوطنين جحيماً، هؤلاء يدفعون باتجاه الرد على قطاع غزة، باعتبار غزة هي الأم الحقيقية للطفل، وهي المرتبطة بحبل التغذية السري للمقاومة.
اقرأ أيضًا: الاحتلال وتغيير سياسته مع غزة
اقرأ أيضًا: تهديد غزة يؤرق الإسرائيليين دون حل جذري
المصدر الثاني: هم أولئك العلمانيون الأكثر حساسية للأبعاد الأمنية، والذين يهاجمون الحكومة من منطلق ضعفها، وعدم قدرتها على ضبط الأمن، وعجزها عن إيجاد الحلول السحرية التي وعدت بها المجتمع، وهؤلاء يحرضون على عدوان عسكري من خلال تشكيكهم بقدرات الحكومة على اتخاذ القرار السليم.
فإذا أضيف إلى مصادر الضغط السابقة حاجة حكومة المستوطنين الضعيفة إلى عناصر قوة، تعيد لها جمهورها المفقود، وتعزز من مكانتها المتدنية، وتجتاز محنة الانقسام الذي أحدثته التعديلات القانونية، فإن نقل المعركة إلى خارج الحدود، فيه العلاج، وتوجيه اهتمام المجتمع إلى نتائج العمليات، يمثل دعوة للوحدة الداخلية، والتخلص من المظاهرات التي يجتمع فيها مئات آلاف الإسرائيليين أسبوعياً ضد الحكومة، فالحرب ستشغلهم بمصيرهم، أكثر مما تشغلهم التعديلات القانونية، وهذا بحد ذاته مربح لحكومة المستوطنين، التي تلقت الدعم من قيادة الجيش ومن الأجهزة الأمنية، وقد أمست تؤيد القيام بـ"عمليات نوعية" ضد من يساند المقاومة، ويقدم لها الدعم، ويحرض عليها، والمقصود هنا قيادة غزة ولبنان، وليس أرض الضفة الغربية فقط.
وقد يجد الجيش الإسرائيلي ـ بكل أذرعه الأمنية ـ فرصته لترميم ما تصدع من وحدات الجيش، التي راحت تتآكل جراء الانقسام، فالحرب ستفرض على الجميع الوحدة الميدانية، والخروج من حالة الانقسام، والحرب ستقضي على حالة الإحباط التي سادت بين أوساط العلمانيين المتطوعين للخدمة، وقد تشكل الحرب فرصة ثمينة للجيش، يستطيع من خلال الحشود، تشجيع المبادرة، وإحياء روح التطوع، وقد تكون هذه بعض الأسباب التي أملت على قيادة الجيش الإسرائيلي أن يبارك عملاً عسكرياً، أبعد من حدود الضفة الغربية.
حين يتوافق المستوى السياسي الإسرائيلي مع المستوى العسكري على تنفيذ عمليات إرهابية ضد الفلسطينيين، أينما كانوا، فذلك يعني أن العدوان على غزة وارد، وأن احتمالات التصعيد ضد أهل غزة، هي الأرجح، مع الأخذ بعين الاعتبار أن حسابات الحقل قد لا تتساوى مع حسابات البيدر، كما قال الشيخ صالح العاروري، الذي أضاف: لا نتعامل مع التهديدات الإسرائيلية باستخفاف، ولكننا لا نخاف.