عقب جولة التصعيد الإسرائيلية الأخيرة ضد قطاع غزة، صدرت دعوات إسرائيلية تتحدث أن الوضع الناشئ في مستوطنات الغلاف يتطلب التوقف عن ترديد كلام الهراء بأن "الحياة عادت لطبيعتها"، وكل ما يتكرر من أعذار وتفسيرات يقدمها جيش الاحتلال والمخابرات تجعل الإسرائيليين ينتظرون دائمًا إلى الجولة التالية، دون وجود حل جذري.
الرسالة السخيفة التي تلقفتها وسائل الإعلام الإسرائيلية ومفادها "طُلب من مستوطني غلاف غزة العودة للحياة الروتينية" ظهرت بعد نهاية أسبوع من الإنذارات باللون الأحمر، وسقوط الصواريخ في المستوطنات الجنوبية، وكأن الإسرائيليين يعيشون مرحلة ما بعد الصدمة بسبب ليالي المستوطنين التي لا تنام، وهم يعيشون سنوات في واقع القصف وسقوط الصواريخ.
مسوغ هذه الدعوات الإسرائيلية أن الروتين الذي تتحدث عنه (إسرائيل) يعني أن يبقى المستوطنون يستلقون تحت الطاولة خشية من الصواريخ، ويطلب منهم الاستمرار في العيش مع لعبة "الروليت" الروسية، بحيث تصيب القذيفة الفلسطينية التالية أهدافًا أخرى، بعد أن طلبت منهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي المكوث عشرين عامًا لاحتواء مخاوفهم، ورغم مرور ما يقرب من خمسين عامًا على حرب 1973، ما زالت كل ضوضاء انفجارية تستفزهم.
منذ خمسين عامًا لم يتمكن الإسرائيليون من احتواء الخوف من الإصابة، وباتت الانفجارات التي تتسبب بها الصواريخ الفلسطينية جزءًا من جدول أعمالهم المعتاد، والخوف من التعرض للأذى وفقدان الحياة روتين حياة عندهم، وكأنهم أمام حالة من الهراء انتظارًا للجولة التالية، فالحياة في مستوطنات غلاف غزة لم تكن طبيعية منذ 2001، يوم أن أطلق صاروخ القسام الأول، قبل وقت طويل من تنفيذ الانسحاب من غزة.
دفعت جولة التصعيد الإسرائيلية الأخيرة لأن يطالب المستوطنون حكومتهم بإيجاد حل لتهديد الصواريخ من غزة، بالاستناد إلى مجموعة متنوعة من الأعذار والتفسيرات، وعدم الانتظار دائمًا للجولة التالية، مع العلم أن الوضع الأمني المتدهور في مستوطنات غلاف غزة يتزامن مع تسلسل الأحداث الأمنية التي تتكشف في الأشهر الأخيرة، خاصة في سياق التغيير الإستراتيجي في الولايات المتحدة، وعدم الاستقرار السياسي في (إسرائيل)، ما يجعلها أمام واقع من الاضطرابات وعدم الاستقرار.
يفيد الوضع الأمني الحالي في غزة بأنها ساحة تتصاعد، صحيح أننا أمام تصعيد محدود، لم يجبِ أثمانًا باهظة، لكن الأمر اتضح وكأن (إسرائيل) دخلت في "كمين إستراتيجي"، لأن السؤال المطروح مفاده هل الهدوء يخدم الإسرائيليين حقًّا؟ وبالتالي تصدر دعوات إسرائيلية لخلط الأوراق، بالتزامن مع خروجهم من الجائحة، ما قد يجعلهم في مرحلة تسعى لأن تكون المبادرة بأيديهم، وإزالة بعض التهديدات على جدول الأعمال، ومنها غزة، دون التحقق من مدى قدرتهم على تنفيذ هذا التهديد.