يمثل سوق العمل جانبي العرض والطلب على اليد العاملة، وهو ميزان التفاعل بين المشغلين من القطاعين العام والخاص من جهة كتمثيل لجانب الطلب، والباحثين عن الوظائف والأعمال من عمال وخريجين ومهنيين من جهة أخرى كتمثيل لجانب العرض.
وتجدر الإشارة إلى أهمية تحليل سوق العمل على مستوى الاقتصادين الكلي والجزئي، إذ إن دراسة البطالة ومعدلات إنتاجية العمل تشكل مقاييس هامة خاصة بسوق العمل من منظور الاقتصاد الكلي، في حين أن تحليل الأجور وساعات العمل على مستوى الشركة والعامل تسهم وبفاعلية في تحليل العرض والطلب على مستوى الاقتصاد الجزئي، كما تشير تقارير منظمة العمل الدولية، والتي جاءت تحت عنوان العمالة العالمية والآفاق الاجتماعية إلى أن احتمالية عدم التطابق بين العرض والطلب في سوق العمل قد تتخطى مشكلة البطالة، إذ سيحصل استخدام ضئيل لليد العاملة، وتخطي أكثر من 165 مليون شخص للأجور غير الكافية.
وثمة عوامل عديدة تؤثر على العرض من العمالة، ومنها عدد السكان وسن التقاعد والتنقل الجغرافي والمهارات والتدريب، وكذلك المؤهلات اللازمة للدخول إلى المهن، ولا يمكن بالطبع إغفال دور النقابات، والتي يمكنها تقييد المعروض من العمالة بغرض رفع معدلات الأجور، كما أن الطلب على العمالة يتأثر بحجم وقوة الطلب على السلع والخدمات التي ينتجها أو يقدمها العمال.
هناك تغيرات متسارعة في شكل وطبيعة متطلبات منظمات الأعمال، فرضت وبأكثر من أي وقت مضى ضرورة الربط بين التعليم والتدريب والتشغيل ما يساعد الشباب والباحثين عن العمل على الحصول على فرص العمل، واندماجهم في سوق العمل وتلبية متطلباته، ويشكل عاملاً أساسيًّا في مجال تخطيط وتنفيذ مشروعات وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي المساهمة الفاعلة في ترسيخ أسس ومفاهيم جديدة للتنمية البشرية تقدم على تحسين ظروف وشروط العمل مقابل رفع الكفاءة والإنتاجية والجودة في الأداء والعمل.
إن دراسة فاحصة لقانون العرض والطلب في سوق العمل هو ما يفيد في تحليل توزيع قوة العمل على القطاعات الإنتاجية المختلفة، وبالتالي دراسة العوامل المؤثرة على الطلب والعرض في سوق العمل، والتي منها السعر، إذ يعادل السعر هنا الأجر المقدم في قطاع إنتاجي معين، كما أن دراسة وتحليل العرض والطلب في سوق العمل يساعد في تحقيق المواءمة من حيث الكم والنوع وكذلك الزمان والمكان، وكذلك تخطيط القوى العاملة على المستوى الوطني.
ومن الجدير بالذكر أن منظمات الأعمال تسعى إلى تحسين مهارات العمال وتوفير بيئة عمل آمنة وظروف وشروط عمل لائقة، ما يؤدي إلى زيادة العرض الكلي وبالتالي دعم الإنتاج ما يضمن نمو الاقتصاد.
وتشكل حالة الوصول إلى المستوى التوازني للعمالة، والذي يمثل توزان جانبي الطلب والعرض من العمال خلال فترة زمنية محددة، والتي تتحقق عن طريق الموازنة بين القوى العاملة المتاحة من جهة، واحتياجات الاقتصاد الوطني إلى مختلف الأعمال والمستويات من جهة أخرى، كما أنها تكشف عن العجز والفائض في مختلف المهن ما يكفل الأساس للتنسيق بين سياسات التشغيل، وسياسات التعليم، والتدريب، والتأهيل، وتدفع الباحثين عن العمل إلى البحث عن العمل بالأسلوب والطريقة المناسبين، والتخطيط السليم مع التركيز على الفرص الواعدة، وضرورة التسويق للذات وتبني التطوع لزيادة الخبرة وتعزيز الثقة بالنفس، وهو ما ينساق إلى حد كبير مع حالة العرض والطلب في سوق العمل في قطاع غزة.