فلسطين أون لاين

تقرير صراع الإخوة.. جسور حب وثقة تزرع بإدارة أسرية فاعلة

...
صراع الإخوة.. جسور حب وثقة تزرع بإدارة أسرية فاعلة
غزة/ أميرة غطاس:

لاحظت سلسبيل الخطيب تسلل الغيرة إلى قلوب أبنائها الأربعة، تحديدًا حينما حصل الابن الأكبر على درجة أعلى من أخته التي تصغره بعامين.

ففي إحدى الأمسيات جلست العائلة لتناول العشاء معًا، قام خلال الابن الأكبر "علي" بمشاركة إنجازه الأخير في المدرسة، وأظهرنا فخرنا به، ولكن "نور" لم تستطِع إخفاء شعورها بالغيرة، وتفاقمت المشكلة مع مرور الوقت، وأصبحت الغيرة تؤثر على علاقاتهما، كما تخبر الأم الثلاثينية.

في حين تستيقظ "أم أحمد" كل صباح على صوت صراخ أبنائها، واحدٌ يجتذب لعبته وأغراضه والآخر يبكي ويدعي ملكيته لها، وهكذا ينقضي اليوم والطفلان مختصمان أو يحاول كل واحد إزعاج الآخر بطريقة أو بأخرى.

تقول أم أحمد: "عندي ثلاثة أبناء، وكثيرًا ما تحصل مشكلات بينهم، ولا أدري كيف أدير تلك الصراعات في بيتي، ويتملكني خوف من تطور هذه المشاكل إلى عنفٍ أو كرهٍ يتولد في قلوبهم حين يكبروا".

إدارة الصراع الأسري

وتعد إدارة الصراعات بين الإخوة في المنزل، فنًا يتطلب فهمًا عميقًا للديناميات الأسرية والعلاقات الشخصية، وذكاءً كافيًا من الوالدين في "إدارته" من أجل "استثماره" في تدريب الطفل وتطوير مهارات حل المشاكل الخاصة عنده.

ووفق كتاب "الخيانات الضرورية" لـ"نيكول بريور"، تتشكل الرابطة الأخوية في مرحلة الطفولة وسط شعور بالخسارة عند الأكبر سنًّا وشعور بالنقص عند الأصغر، الظرف الذي يولد رابطًا متناقضًا يقوم على المنافسة والتواطؤ، في المقابل، من أجل الحفاظ على علاقة قائمة على المحبة بين الإخوة ينبغي الحرص على نوع من التوازن بين الأكبر والأصغر سنًّا.

وتقول الاختصاصية الاجتماعية عروب الجملة: إن مصطلح إدارة الصراعات يقصد به التقنيات التي تستخدم في علاج المشكلات التي تؤدي إلى الصراع، مشيرةً إلى أن التفكير في إنهاء الصراع بشكل كلي بين الإخوة "غير ممكن".

وتؤكد في حديثها لـ"فلسطين" أن المشكلات التي تحصل بين الإخوة هي "ضرورة" في النفس البشرية، وليس من الممكن القضاء عليها، وإنما العمل على إدارتها بما ينفع الأبناء عندما يكبرون ويواجهون مواقف الحياة وصراعاتها وتنافسها.

وتتابع الاختصاصية الجملة: "أول ما يجب أن يعلِّمه الوالدان لأطفالهم هو وجوب التعايش فيما بينهم وتقبُّل كل واحد منهم الآخر، ووضع ضوابط للحياة المشتركة بين الإخوة بما في ذلك الصراع، بمنع الإهانة أو الإساءة بكل أشكالها، فهي من أهم مهمات المربي وخاصة الأب".

الاتصال الفعال

وتلفت إلى أسباب الصراعات بين الإخوة كاختلاف التوجهات والاهتمامات، والمنافسة فيما بينهم على الانتباه والتقدير، والنقاشات الصاخبة التي قد تتطور إلى صراعات، لكن السؤال المهم هو كيف يمكن للأسرة إدارة هذه الصراعات بطريقة بناءة؟

تجيب الجملة بالتأكيد على أن إدارة الصراعات الأسرية تبدأ بالاتصال الفعّال واستعداد الطرفين المتشاكسين للحديث والاستماع، مؤكدة أن الفهم المتبادل يمهد الطريق لحلول أكثر وضوحًا.

وتحذر الأهل من تفضيل أحد الأطراف على حساب الآخر، "فالحياد والإنصاف في التعامل مع الصراعات يعززان الثقة ويقويان العلاقات"، ثمّ تحويل الصراعات إلى حوارات بنّاءة يمكن أن تساعد في تقديم وجهات النظر وتبادل الأفكار بشكل هادئ ومثمر.

وعن كيفية استثمار الصراع بين الإخوة، تشير الجملة إلى أن صراع الأبناء فرصة لتعليم الطفل احترام وتقبُّل الآخر، ومهارات حل المشكلات دون تدخُّل الآخرين، وتعليمهم فن "الصبر الجميل" على ذوي القربى وصلة الرحم الكاشح (الذي يضمر العداوة).

وتمضي إلى القول: "عليكم أيها الأهل أن تحافظوا على الودّ والحبّ بين أولادكم، وتزرعوا الدفء في قلوبهم تجاه بعضهم، وتربوهم على أن الأخ سند أخيه والأخت مصدر سعادة البيت، وامنحوهم وقتًا للتحدث، والاستماع إليهم بصدق واهتمام.

وأثبتت دراسة أجرتها أستاذة علم النفس الأميركية هايدي ريجيو عام 2000، أنه كلما كانت العلاقة بين الإخوة أكثر ودية، زاد الاستقرار العاطفي والتكيّف النفسي عند الأشخاص.

وهذا ما أكدته الاختصاصية الجملة قائلةً: العلاقات بين الإخوة تمثّل ركيزة أساسية في بناء الاستقرار النفسي والعاطفي للأفراد، بما تحمله من عوامل تساهم في تعزيز الشعور بالأمان والثقة، وتوفير بيئة داعمة لتطوير القدرات النفسية والاجتماعية.

وتختتم الجملة برسالة إلى أرباب الأسر: "بوسعكما أيها الوالدين، تشييد جسور الحب والثقة مع أولادكما، تدوم للأبد وتساهم في بناء أفراد المجتمع بشكل إيجابي ومؤثر.