فلسطين أون لاين

ماذا بعد دعوة حماس إلى إجراء انتخابات بلدية في محافظات غزة؟

اللقاء التشاوري الموسع الذي عقدته حركة حماس يوم أمس الاثنين في غزة بحضور ممثلين عن القوى الفلسطينية الفاعلة في الشارع الفلسطيني، ومشاركة وجهاء ونخب سياسية ومجتمعية وفكرية وإعلامية، وإعلاء صوتها للمطالبة بإجراء انتخابات محلية في قطاع غزة تحت إشراف لجنة الانتخابات المركزية يُعد خطوة مهمة على صعيد إعلاء صوت الشارع الفلسطيني، الذي لطالما طالب على مدار السنوات الماضية بضرورة إجراء الانتخابات الفلسطينية العامة مدخلًا لاستعادة الوحدة الفلسطينية وإنهاء الانقسام.

ترحيب رئاسة المجلس التشريعي، والفصائل الفلسطينية، والشخصيات الوطنية والمؤسسات المجتمعية في غزة بدعوة حماس لإجراء الانتخابات المحلية، الذي جاء عبر بيان صحفي نشرته وسائل الإعلام الفلسطيني يؤكد أن دعوة حماس تأتي متوافقة مع رغبة الشارع الفلسطيني، وقناعة النخب الفلسطينية بأهمية إجراء الانتخابات المحلية خطوة أولى نحو استئناف التداول السلمي للسلطة، والتوافق على صندوق الاقتراع كوسيلة دستورية وقانونية من شأنها أن تُفرز قيادة شابة تمثل غالبية أبناء الفلسطيني، وقادرة على وضع رؤية وطنية جامعة تُنهي حالة التشرذم السياسي الذي يحياه الشعب الفلسطيني الذي أسهم في تراجع القضية الفلسطينية من سلم الأولويات الإقليمية والدولية.

اقرأ أيضا: لماذا لا تتحرك غزة باتجاه الانتخابات الديمقراطية؟

مُسارعة لجنة العمل الحكومي في غزة إلى تأكيد جاهزيتها واستعدادها التام لتسهيل إجراء الانتخابات المحلية في محافظات غزة، وإعلان المدير التنفيذي للجنة الانتخابات المركزية هشام كحيل جهوزية لجنة الانتخابات لإجراء الانتخابات في أي وقت، يشير إلى رغبة فعلية في تذليل أي معيقات أو عقبات قد تعترض إجراء العملية الانتخابية، وهو يعبر أيضًا عن وجود حالة إجماع وطني، ورغبة حقيقية بالمشاركة الفاعلة في عودة الحياة الديمقراطية عبر بوابة الانتخابات المحلية إلى قطاع غزة من جديد.

دعوة حماس لإجراء الانتخابات المحلية ليست بمنأى عن دعواتها السابقة لإجراء الانتخابات، وحرصها على إيجاد شراكة سياسية في جميع المؤسسات الخدماتية والسياديّة الفلسطينية، فحركة حماس التي ما تزال تتمتع بغالبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني، وتدير قطاع غزة منذ عام 2007م، لطالما نادت بضرورة إجراء الانتخابات العامة، وقد بادرت إلى التنازل طوعًا عن حكومة إسماعيل هنية ضمن "اتفاق الشاطئ" الذي نص على إجراء انتخابات فلسطينية عامة في أبريل 2014م، كما بادرت حماس إلى اتخاذ قرار بحل اللجنة الإدارية الحكومية في غزة، وأعلنت موافقتها على إجراء انتخابات عامة ضمن استجابتها للجهود المصرية، وسعيها لإنجاح اتفاق القاهرة في سبتمبر 2017م.

واليوم بعد هذه الدعوات الصريحة، واستعداد الجميع للمشاركة في العملية الانتخابية نجد أن الكرة في ملعب رئاسة السلطة الفلسطينية، التي يقع على كاهلها التقاط الفرصة السانحة، والاستجابة لدعوة حماس وعدم التلكؤ في إصدار قرار إجراء الانتخابات المحلية، خاصة أنها تأتي بعد لقاء إسماعيل هنية مع محمود عباس في أنقرة برعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومسارعة حماس إلى تلبية دعوة عباس للمشاركة في لقاء العلمين بمصر الشقيقة بالرغم من علمها المسبق بأن الدعوة لاجتماع الأمناء العامين جاءت بهدف تحسين صورة عباس بعد أحداث جنين وطرد أهالي المخيم لوفد حركة فتح، ومنعه من المشاركة في جنازات شهداء المخيم.

وبالرغم من دعوة حماس الواضحة لإجراء الانتخابات، والترحيب الكبير من القوى والنخب الفلسطينية، إلا أن شكوكًا كبيرة حول مدى استجابة رئيس السلطة الفلسطينية لدعوة حماس، في ظل تشرذم حركة فتح، وتراجع شعبيتها في الشارع الفلسطيني، وخسارتها عددًا من المجالس البلدية والنقابات، ومجالس الطلبة في كبرى جامعات الضفة ضمن الانتخابات المحلية والنقابية والطلابية التي أجريت مؤخرًا في محافظات الضفة، إضافة إلى تنامي حالة الغضب الشعبي تجاه الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ووقع بعض الاشتباكات بين الأهالي وتلك الأجهزة في محافظات نابلس وجنين، ربما كان آخرها مهاجمة أهالي مخيم العين في نابلس لعناصر الأجهزة الأمنية في أثناء اعتقالها أحد أبناء المخيم فجر الأحد الماضي.

من ناحية أخرى فإن السلطة الفلسطينية تُدرك أن إجراء الانتخابات المحلية في غزة سيؤدي لا محالة إلى تخفيف حالة الاحتقان السياسي التي يعانيها الشارع الفلسطيني في غزة، هي التي تواجه اتهامات عديدة بالمشاركة في تضييق الخناق على أهالي غزة، وتُسهم في مفاقمة المشكلات الإنسانية والمجتمعية التي تعانيها غزة، وهذا ما أثبتته بعض التصريحات العلنية لمسؤوليها، ومن أبرزها التصريح الشهير لرئيس حكومة رام الله والقيادي في حركة فتح محمد اشتية الذي طالب مصر الشقيقة بالكف عن تنفيس إجراءات السلطة الهادفة إلى تفجير الأوضاع الإنسانية في غزة، لذا فإنني أستبعد أن تقوم السلطة بأي خطوات للتخفيف من احتقان الشارع الفلسطيني وفي مقدمتها قرار إجراء الانتخابات المحلية.

ختامًا، فإنني أدعو قادة حماس والفصائل الفلسطينية الفاعلة إلى الإصرار على موقفهم الداعي إلى إجراء الانتخابات المحلية، وإذا أحجمت قيادة السلطة الفلسطينية عن التعاون وتسهيل إجراء تلك الانتخابات، يمكن للقوى الفلسطينية، والشخصيات الوطنية والوجهاء التوافق على إجراء انتخابات محلية داخلية ينتج عنها تعزيز الشراكة السياسية، والمشاركة الجماعية في تحمّل المسؤولية، واختيار شخصيات قادرة على إدارة البلديات والمؤسسات المحلية، وتقديم خدمات بلدية ذات جودة تُسهم في تخفيف معاناة المواطن الفلسطيني في غزة.