ما إن اقتربنا من بوابة معبر بيت حانون "إيرز" شمال قطاع غزة، وعلى بُعد عشرات الأمتار من خارجها احتشد مئات المواطنين من كل أطياف الشعب الفلسطيني، وعلامات السعادة مرسومة على محياهم، ويكأنه العيد الذي لم يطأ الأرض يومًا.
أكثر من ساعتين انتظرنا داخل أروقة البوابة "الزرقاء" وسط وجود مكثف لرجال الأمن والحماية ومختلف الأجهزة الأمنية بقيادة اللواء توفيق أبو نعيم، الذي أعطى تعليماته لكل العناصر بإتمام مراسم الاستقبال خلال زيارة وفد الحكومة.
لم يملّ المواطنون من الانتظار رغم طول المدة، وهم تحت أشعة قرص الشمس الملتهب، فرحين ومهللين رافعين مختلف رايات الفصائل الفلسطينية، التي اختلطت في بعضها بعضًا لتشكل لون الوحدة الفلسطينية في سماء غزة.
ويأمل هؤلاء المواطنون هذه المرة بإتمام المصالحة بين الطرفين وطي صفحة الخلاف التي دامت نحو 11 عاماً، عاش خلال الشعب الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة حياة قاسية وأوضاعًا اقتصادية صعبة، شلّت معظم مناحي الحياة.
خلال مدة الانتظار باغتنا شاب في الثلاثينيات من عمره أنهكه التعب، كونه لا يستطيع الحركة من دون "العكاز" الخاص به، قائلاً: "أنا جاي من المحافظة الوسطى حتى أستقبل وفد الحكومة".
والشاب بلال ظاهر يعاني من شلل رباعي وبالكاد يستطيع الحركة، كان جسده يرتجف على مدار الساعة نتيجة مرضه، لكنه آثر على نفسه وجاء ليعبر عن فرحته بقدوم الوفد وإتمام المصالحة، كما يؤكد.
ويضيف ظاهر لصحيفة "فلسطين": "أتمنى السعادة والخير للجميع، وإتمام المصالحة، حتى نعيش حياة كريمة (...) أريد أن أتمم علاجي، وآخذ فرصة في هذه الحياة، أريد أن أصبح عنصراً فاعلاً في المجتمع".
على بعد أمتار منه، وقفت عجوز في العقد السابع من عمرها، مزدانة بثوبها الفلاحي الذي لطالما حمل ولا يزال إرث فلسطين المحتلة، ملوحة بعلم فلسطين يميناً ويساراً، بينما كان حفيداها يعصبان رأسيهما بالكوفية الفلسطينية السمراء.
وفي غمرة الحشد الجماهيري الكبير، تأهب ممثلون عن الفصائل الفلسطينية ووفد مصري وآخر من الاتحاد الأوروبي وشخصيات اعتبارية، لاستقبال الوفد الحكومي عند معبر "بيت حانون".
وخلال ذلك، قال عضو المكتب السياسي لحركة حماس د.صلاح البردويل: إن "المصالحة هي البوابة لوحدة وطنية شاملة للتخفيف عن شعبنا ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي".
وأضاف البردويل: "حماس تراهن من وراء هذه المصالحة إلى توحيد الشعب الفلسطيني وهذه المرحلة لا تتم إلا بتقديم تنازلات".
وبدت ملامح السعادة أكثر في سلوك ونفوس الجماهير داخل بوابات المعبر وخارجه، عند عندما اتجهت عقارب الساعة نحو الثانية عشرة والنصف ظهراً، حيث بان موكب الحكومة على بُعد عشرات الأمتار من غزة.
كانت اللحظات الفارقة والتاريخية وفق ما أطلق عليها المواطنون والحضور كافة، حين وطئت أقدام وفد الحكومة أرض غزة بعد سنوات من الجفاء والقطيعة، حيث علت الهتافات والأصوات الوحدوية الداعية لإنجاح مصالحة لطالما تعثرت في عديد المطبات السياسية.
وفي مشهد تتوق له نفوس الفلسطينيين حضر العلم الفلسطيني بقوة فيما لم يغب عن رافعيه التعبير عن امتنانهم للجهد المصري برفع علم قاهرة المعز، وصوراً ضخمة لرئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار، وأخرى لرئيس الحكومة رامي الحمدالله، ورئيس السلطة محمود عباس.
وبدأت مراسم الاستقبال الرسمية حينما دق "حرس الشرف" طبوله، قبل أن يعتلي رئيس الحكومة رامي الحمدالله المنصة لإلقاء كلمته التي استمرت لدقائق معلناً عزم الحكومة على تحقيق الوحدة الوطنية.
وفي غمره حفاوة الاستقبال والابتهاج بحدث طال انتظاره، ينتظر الفلسطينيون ما ستحمله الأيام المقبلة بين ثناياها، لإتمام مراسم المصالحة الفلسطينية ووأد جذور الانقسام، أملاً في حياة قد لا تكون بلا آلام ولكنها بالتأكيد ستكون أفضل إذا ما جمعتنا فلسطين.