جزم مراقبان اقتصاديان أن تجدد التظاهرات الرافضة لخطة التعديلات القضائية في دولة الاحتلال، وما يقابلها من مضي حكومة بنيامين نتنياهو في مسارها، من شأنه زيادة تصدع مقومات الاقتصاد الإسرائيلي خاصة قطاعي التكنولوجيا والمال، وبروز عوامل نفور للمستثمرين القائمين والجدد، وإضعاف الشيقل أمام سلة العملات الدولية الأخرى ما ينعكس على الحركة التجارية برمتها.
وبالتوازي يرى المراقبان في حديثين منفصلين مع صحيفة "فلسطين" أن الاقتصاد الفلسطيني لن يكون بمعزل عن تلك الاضطرابات، لكونه مرتبطًا بغلاف جمركي واحد، مشيرين إلى تحكم الاحتلال بصادرات وواردات الفلسطينيين، وهيمنته على كل المنافذ البرية والبحرية.
وتعيش دولة الاحتلال منذ 30 أسبوعًا حالة من الاستقطاب غير المسبوقة بين الأطراف السياسية إذ تخرج مظاهرات أسبوعية احتجاجًا على عزم حكومة المستوطنين الفاشية برئاسة نتنياهو إجراء تعديلات قضائية، مع إدخال حزمة تشريعية من شأنها أن تحد من سلطات المحكمة العليا، وتعطي الائتلاف الحاكم نفوذًا كبيرًا.
اقرأ أيضاً: تقرير الاقتصاد الإسرائيلي مثار قلق للمستثمرين ورجال الأعمال ورؤساء البنوك
وبمرور الوقت اتسع نطاق المظاهرات كما زادت أعداد المشاركين فيها، وخرج مئات الآلاف من المتظاهرين إلى شوارع المركز التجاري لدولة الاحتلال (تل أبيب) وغيرها من المدن والقرى في أنحاء الأراضي المحتلة سنة 1948.
ويوضح الاختصاصي الاقتصادي د. نائل موسى أن ما يحدث في دولة الاحتلال من استمرار التظاهرات بات محط اهتمام صانع القرار السياسي والاقتصادي الإسرائيلي، خاصة وأن التصنيف الائتماني لدولة الاحتلال آخذ في التراجع عن السابق.
ويبين موسى أن المستثمر الخارجي حين كان يستثمر في دولة الاحتلال، كان ينظر إليها منطقة آمنة وجاذبة للاستثمارات والأكثر حماية لأموال المستثمرين نظرًا لقوة القضاء، لكن التوتر القائم والصراع على صلاحيات القضاء، أحدث حالة من التخوف والإحجام لدى المستثمرين.
ويوضح أن القطاع التكنولوجي الذي يعد المحرك الرئيسي للاقتصاد في دولة الاحتلال، يعاني بالفعل هذا العام، وأن شركات كبيرة أضحت قلقة على نشاطها ومن خروج المستثمرين من التعاقدات المرتبطة معها.
وينبه إلى أن ما يحدث ينفر الاستثمار في السندات والأوراق المالية الإسرائيلية، كما أن عملة الشيقل تراجعت أمام أكثر من 150 عملة دولية، ما يؤثر على الصادرات والواردات، مشيرًا إلى أن حجم الاقتصاد الإسرائيلي يبلغ 530 مليار دولار.
وكان بنك "مورغان ستانلي" أعلن خفض التصنيف الائتماني لدولة الاحتلال، في أعقاب مصادقة الائتلاف الحكومي على تشريع جديد يلغي بعض سلطات المحكمة العليا، بالرغم من الاحتجاجات الداخلية المتصاعدة والمخاوف الدولية.
في المقابل، أصدر "سيتي بنك" الأميركي تقريرًا خاصًا حول الاقتصاد الإسرائيلي، ذكر فيه أنه بعد تشريع إلغاء حجة عدم المعقولية "أصبح الوضع أكثر خطورة وتعقيدًا"، وأشار إلى تنامي الحذر لدى المستثمرين بشأن الاستثمار في (تل أبيب) حتى يستقر الوضع.
وفي نيسان/ أبريل الماضي، خفضت وكالة "موديز" تدريج (إسرائيل) الائتماني من "إيجابي إلى مستقر" في قرار اتخذ على خلفية تشريعات إضعاف القضاء، وذلك لأول مرة ينخفض فيها تدريج (إسرائيل) الائتماني منذ تفشي جائحة كورونا؛ وبعد عام من وصول تدريجها الائتماني إلى "إيجابي" جاء قرار الوكالة بعودته إلى "مستقر".
تداعيات سلبية
من جانبه يوضح الاختصاصي الاقتصادي د. محمد بربخ، أن الاقتصاد الفلسطيني لن يكون معزولًا عن التطورات الجارية في دولة الاحتلال، ولا سيما في قطاع غزة الذي يعاني حصارًا مفروضًا عليه.
ويؤكد بربخ أن استمرار التظاهرات في دولة الاحتلال، خاصة مع مشاركة النقابات العمالية وتوقف عمل الموانئ والمعابر، سيؤدي إلى تداعيات سلبية على الاقتصاد الفلسطيني.
ويعتقد أن استمرار التظاهرات في دولة الاحتلال سيؤثر على إمدادات قطاع غزة بالسلع الأساسية والمحروقات والمواد الإنشائية، ما قد يتسبب في انخفاض المعروض وارتفاع أسعار تلك السلع، وهذا سيؤدي بالتأكيد إلى ضغوط اقتصادية إضافية على المواطنين في القطاع الذين يعانون الحصار الطويل.
وتزامنًا مع ذلك، سيتأثر الاقتصاد الفلسطيني بتراجع الإيرادات الحكومية، إذ تعتمد كثيرًا على الواردات والصادرات مع دولة الاحتلال، وتلك التراجعات ستؤثر على صرف رواتب الموظفين والنفقات التشغيلية الأخرى، ما يزيد من التحديات المالية التي يواجهها الفلسطينيون، وفق بربخ.
والنقطة المهمة حسب الاختصاصي الاقتصادي، تأثر نشاط الأيدي العاملة الفلسطينية في الداخل المحتل والتي لها دور كبير في تخفيف وطأة الحصار عن الأهالي في القطاع، مشيرًا إلى أن ما يزيد عن 30 مليون دولار يجلبها الفلسطينيون شهريًا من عملهم في الداخل.